-إن كثيراً من أنواع التصوير في الوقت الحاضر تستعمل في التعليم والتوجيه كوسائل إيضاح لا يكاد يستغنى عنها، فالصورة الواحدة أحياناً تختصر أو تكفي عن مئة عبارة أو أكثر، وحديث عائشة ولعبها بالبنات وهي صور مجسمه (لها ظل) جائزة بالنص، وعلل العلماء ذلك الجواز لغرض التعليم والتربية، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإذا جاز التصوير المجسم للصغار لهذا الغرض فهو للكبار من باب أولى، والرجال به أولى من النساء؛ لأنهم مطالبون بتعلم أنواع كثيرة من العلوم قد لا يطلب بعضها من النساء.
ثم إن التصوير اليوم -خاصة ما ليس له ظل- لا يستغنى عنه في ضرورات الناس وحاجاتهم، فالقول بحله وجوازه يتفق مع يسر الدين وسماحته، كقوله -تعالى-:" ... يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ... " [البقرة:185] ، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق" رواه أحمد (13025) " ... ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ... " أخرجه البخاري في صحيحه (39) ، وقوله:" يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا".
-جمهور العلماء يقولون بجواز الصورة إذا قطعت وبقي من أجزائها ما لا تحل فيه الحياة عادة كصورة الرأس بلا صدر، أو البدن بلا رأس، أو كانت الصورة ممتهنة كأن تكون على فراش يوطأ أو مخدة يتكأ عليها، أو منشفة يستحم بها ... إلخ، وقد ورد في بعض كتب الفقه إشارات إلى مثل هذه الأفلام الكرتونية أو الكاريكاتورية، يقول ابن قدامة في (المغني) في حكم إجابة الدعوة لوليمة العرس إذا كان في المكان منكر كالصورة:" فإن قطع رأس الصور ذهبت الكراهة، وكذلك إذا كان في صورة بدن بلا رأس، أو رأس بلا بدن، أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان لم يدخل في النهي؛ لأن ذلك ليس بصورة حيوان" انتهى.
وقال محمد الرملي الشافعي في كتابه (نهاية المحتاج) في مبحث وليمة العرس على قول صاحب المنهاج "ويحرم تصوير حيوان" قال الرملي:" وإن لم يكن له نظير كبقرة لها منقار أو فرس له جناحان أو صورة من طين أو حلاوة للوعيد الشديد على ذلك" وفي حاشية محمد المغربي المطبوعة مع (نهاية المحتاج) :"ويظهر أن خرق بطنه -يعني: الصورة- لا يجوز استدامته، وإن كان بحيث لا تبقى الحياة في الحيوان؛ لأن ذلك لا يخرجه عن المحاكاة" انتهى.
فقول ابن قدامة: "أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير الحيوان ... "، وقول الرملي: "وإن لم يكن لهم نظير كبقر له منقار. . . . . "، وقول المغربي: "ويظهر أن خرق بطنه لا يجوز استدامته ... " فهذه الأقوال وإن اختلفت في الحكم الشرعي بناء على تصوير الحيوان الذي لا نظير له هل هو جائز أم لا؟ أقول: إن فيها إشارات - وإن لم تكن صريحة - إلى الصور الكرتونية والكاريكاتورية كصورة إنسان له جناحان، أو رجل رأسه كالكرة الأرضية، أو رجل أنفه أكبر من جسمه، أو حيوان يخطب بلسان إنسان ونحو ذلك، فإن مثل هذه الصور لا نظير لها في الواقع فليست حيواناً ولا إنساناً من كل وجه، بل أخذت من هذا صفة ومن تلك أخرى.