وقد اختلف أهل العلم في تفسير (اللمم) ، الوارد في الآية فاختار جماعة من السلف أنه الإلمام بالذنب مرة ثم لا يعود إليه وإن كان كبيراً، والجمهور على أن اللمم ما دون الكبائر، قال الشيخ/عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-، في تفسيره عن هذه الآية:" الصغائر، التي لا يصر صاحبها عليها، أو التي يلم بها العبد المرة بعد المرة على وجه الندرة والقلة" فانتبه -حفظك الله- إلى قوله: "لا يصر صاحبها عليها"، فإن الصغيرة لا تكون صغيرة مع الإصرار، كما أن لا كبيرة مع الاستغفار.

وكما اختلف أهل العلم في المراد باللمم اختلفوا في الكبائر، ما هي؟ واختلافهم ليس اختلاف تباين وتضاد بل أقوالهم متقاربة، والصواب في ذلك -إن شاء الله- أن المراد بالكبائر: الذنوب العظيمة كالزنا، وأكل الربا، والقتل، وأنه ليس لها عدد محصور، وقد يصح ضبطها، بما قاله بعض السلف: إنها ما تعلق به حد في الدنيا، أو عذاب، أو وعيد في الآخرة، وأنقل هنا للأخ السائل -وفقه الله- وغيره كلاماً نفيساً لابن القيم -رحمه الله- بعد أن ذكر آراء العلماء في المراد بالكبائر، قال: "وهاهنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الكبيرة قد يقترن بها من الحياء والخوف، والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر، وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء وعدم المبالاة، وترك الخوف، والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر، بل يجعلها في أعلى رتبها.

وهذا أمر مرجعه إلى ما يقوم بالقلب، وهو قدر زائد على مجرد الفعل، والإنسان يعرف ذلك من نفسه ومن غيره" اهـ. وهذا الكلام واضح ومفيد لكل من نور الله بصيرته.

وعلى هذا فإن النظر إلى الصور الخليعة الماجنة، العارية وشبه العارية، سواء كان ذلك في التلفاز أو الإنترنت أو غيرهما مع ما يصحب ذلك من قلة الحياء، وعدم المبالاة، وضعف الدين، وعدم الخوف من الله، والاستهانة بهذه المعاصي لا شك أن ذلك يلحقها بالكبائر، بل يجعلها في أعلى رتبها، وإن كان النظر المجرد في أصله ليس كبيرة، نسأل الله أن يعصمنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يهدي قلوبنا ويصلح أعمالنا وأحوالنا، وأن يجعل أمرنا إلى خير إنه سميع قريب مجيب، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015