وساوس تفتنه في دينه

المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري

عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم

التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ استشارات نفسية وتربوية/وساوس قهرية

التاريخ 5/12/1424هـ

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أنا شاب عائد لله -تعالى- بعد طول غياب، وقد انتصرت على شيطاني في كثير من المواقف, فلقد حججت البيت، واعتمرت أكثر من مرة, أحافظ على صلواتي في المسجد, إلا أن الشيطان ما زال له مدخل علي، فكثيراً ما توسوس لي نفسي أنه ما من ذنب يستحق العذاب الخالد في النار، ولا حتى الشرك بالله ليس أكبر الذنوب، فما ذنب الشخص الذي ولد وأبواه كافران فجاء كافراً؟ أو الولد الذي ولد لأبوين لا يأمرانه بالصلاة، فما ذنبه بأن لا يصلي؟ وأن المشركين إنما أشركوا لقلة عقولهم، فهل هذا الذنب يستحق الخلود في النار؟ وأنه من الإجحاف أن نقول: إن من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، ونحن نعلم أن كثيراً من الكفار لا يستطيعون أن يفعلوا من الآثام كما يفعله أهل لا إله إلا الله، وإذا كان المسلمون فقط هم أهل الجنة, فإن عددهم قليل، هذه مداخل الشيطان إليَّ. أنجدوني قبل أن أفتن في ديني -وجزاكم الله خيراً-.

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:

أسأل الله أن يثبتك على الحق، وأن يعصمك من الشيطان الرجيم، وأوصيك بكثرة الاستعاذة من شره فإنه: "ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون" [النحل: 98-99] .

أولاً: اعلم أخي -وفقك الله- علم اليقين أن الله -تعالى- حكمٌ عدلٌ" لا يظلم الناس شيئاً" [يونس من الآية: 44] ، "إن الله لا يظلم مثقال ذرة" [النساء من الآية: 40] ، "وما ربك بظلام للعبيد" [فصلت: 46] فلا يمكن أن يعذب أحداً في النار أو يخلده فيها إلا وهو مستحق لذلك، حيث قامت عليه الحجة التي قال الله -تعالى- عنها: "لئلا يكون للناس على الله حجةٌ بعد الرسل" [النساء: 165] ، فالولد الذي أبواه كافران ونشأ على نشأتهما هو في أحكام الدنيا من جملة الكافرين، أما هل هو مستحق للعذاب فيخلد أم لا؟ فهذا مما لا يعمله إلا الله -تعالى-؛ لأن ذلك متوقف على بلوغه دين الإسلام أو عدمه، وتمكنه من الإسلام أو عدمه، وهكذا في غيره مما هو في الدنيا له حكمٌ واعتبارٌ، وأما في الآخرة فحكمه لا يعلمه إلا الله، فلربما أسلم في اللحظات الأخيرة، أو ربما لم تبلغه الحجة الرسالية، وينبغي أن تدرك أنه لا تلازم بين الحكم الدنيوي بالكفر مثلاً وبين القطع بالخلود في النار في حق الشخص المعين، أما من حيث الحكم العام فإننا نقول: سائر المشركين هم كفار بالله -تعالى- وجميع الكفار مخلدون في نار جهنم، هذا من حيث الحكم العام، أما من حيث الحكم الخاص فمتى علمنا أنه بلغه دين الإسلام ولم يسلم ومات على غير الإسلام فلا مانع من الحكم عليه بالنار، ومن لم نعلم ذلك عنه فلا نقطع له بالنار، وما جاء في بعض الأحاديث مما يفيد الحكم عليه أو تبشيره بالنار، فمحمول على أنه قد علم عنهم بلوغهم الرسالة وإعراضهم عنها، ثم إن الذي أخبر بذلك هو من لا ينطق عن الهوى، حيث أخبره ربه بذلك، وليس لأحد بعد انقطاع الوحي معرفة ذلك إلا بإقرار المرء بنفسه بإسلام أو كفر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015