2- وإن كنتم أو أحدكم لا تجدون في أنفسكم قوة وجلداً وتحملاً فقد جعل الله لكم رخصة تخرجون بها مما أنتم فيه، وهذه الحال أقل من سابقتها إلا أن الله أجازها في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم" [النحل:106] نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر - رضي الله عنه- لما فتنه المشركون وعذبوه، ولم يتركوه حتى سمعوا منه ما يرضيهم في ذات الرسول - صلى الله عليه وسلم- (فجاء عمار شاكياً للرسول - صلى الله عليه وسلم- حاله، فقال له صلى الله عليه وسلم: "كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان، فقال له: إن عادوا فعد") ، وعلى هذا أجمع العلماء، فمن تلفظ بكلمة الكفر مكرهاً لا يكفر؛ لأن الإكراه قرينة ظاهرة على أن كفره تقية ومصانعة محمودة يدفع بها الأذى عن نفسه، وهذه رخصة من الله لعباده رفقاً ورحمة بمن لا يقوى على الأخذ بالعزيمة والصبر على البلاء، وجمهور العلماء يجيز للمكره قول الكفر بلسانه أو فعله كالسجود للصنم، وقال بعض العلماء: إن فعل الكفر لا يجوز بالإكراه مطلقاً وإنما يجوز بالتلفظ باللسان فقط، وقول الجمهور أظهر وأرجح؛ لأن الآية لم تتعرض لغير حق الله تعالى، وهو حق محض، - أعني قول الشرك وفعله مكرهاً- وحقوق الله مبنية على التسامح عكس حقوق العباد حيث هي مبنية على المشاحة، وإذا كان الإكراه موجباً للرخصة في إظهار الكفر القولي أو العملي فما دونه من المعاصي أولى كشرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، ونحوهما، أما الإكراه على ذكر السوابق إن كانت محرمة فبالإمكان أن تذكر بنية أن الإنسان قد تاب منها، ومثلها الصلاة الجماعية على الطريقة النصرانية فليست بأعظم من النطق بكلمة الكفر أو السجود للصنم ما دام القلب مطمئناً بالإيمان، وكونهم يطلبون من كل شخص في هذه الصلاة الجماعية النصرانية أن ينوي الصلاة لربه، هذا أخف مما سبق.
والخلاصة: يجوز لكم الأخذ بالرخصة التي رخص الله لكم بشرط أساسي وهو أن يكون القلب مطمئناً بالإيمان بخلاف ما تنطق به الجوارح، على أني أظن أنكم لو طالبتم إدارة السجن بأن تحتسب لكم الصلاة التي تصلونها وهي الصلوات الخمس المفروضة وبينتم لهم أنكم على دين يعظم الصلاة لله وأن هذه الصلاة لها صفتها وأثرها وأنها هي الصلاة الحقيقية التي تعتقدونها فإني أرجو أن يستجيبوا لكم ويتحقق لكم بذلك خير الدنيا والآخرة. ثبتكم الله وأعانكم، وفرج كربتكم. آمين.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.