أما الجدال فهو من الجدل، والجدل في اللغة: اللدد في الخصومة والقدرة عليها، وحقيقة الجدل في الاصطلاح الشرعي: فتل الخصم ورده بالكلام عن قصده الباطل. وهو مأمور به على وجه الإنصاف وإظهار الحق، قال ابن الجوزي في كتابه الإيضاح:

اعلم - وفقنا الله وإياك - أن معرفة هذا العلم لا يستغني عنها ناظر، ولا يتمشى بدونها كلام مناظر؛ لأن به تتبين صحة الدليل من فساده، تحريراً وتقريراً، ولو ترك هذا العلم لأدى إلى الخبط وعدم الضبط.

وقد تكلم العلماء عن الجدل والمجادلة كثيراً، وألفوا فيها المؤلفات، وبينوا أهدافها ومقاصدها، ورسموا آدابها وأخلاقها، ومن ذلك ما قاله ابن الجوزي في كتابه الإيضاح: أول ما تجب البداءة به: (حسن القصد في إظهار الحق طلبا لما عند الله تعالى، فإن آنس من نفسه الحيد عن الغرض الصحيح فليكفّها بجهده، فإن ملكها، وإلا فليترك المناظرة في ذلك المجلس، وليتق السباب والمنافرة فإنهما يضعان القدر، ويكسبان الوزر، وإن زل خصمه فليوقفه على زلله، غير مخجل له بالتشنيع عليه، فإن أصر أمسك، إلا أن يكون ذلك الزلل مما يحاذر استقراره عند السامعين، فينبههم على الصواب فيه بألطف الوجوه جمعا بين المصلحتين) أ. هـ.

وهذا النوع من المجادلة مأمور به، ومن الأدلة عليه قوله تعالى:" وجادلهم بالتي هي أحسن" [النحل: 125] ، وقوله: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" [العنكبوت: 46] ، وقوله:"قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" [البقرة: 111] ، وقد فعله الصحابة رضي الله تعالى عنهم، كابن عباس - رضي الله عنهما- لما جادل الخوارج والحرورية، ورجع منهم خلق كثير، وفعله السلف أيضا كعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، فإنه جادل الخوارج أيضاً.

وأما الجدال الذي يكون على وجه الغلبة والخصومة والانتصار للنفس ونحو ذلك فهو منهي عنه، وعليه تحمل الأدلة التي تنهى عن الجدال، كقوله -صلى الله عليه وسلم - الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجة:" ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل"، ثم تلا قوله تعالى"ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون" أخرجه الترمذي (3253) ، وابن ماجة (48) من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-.

وهذا النوع من الجدال هو الجدال بالباطل فيكون كالمراء، وكلاهما محرم وبهذا يتضح الفرق بين المراء والجدال، وأن المراء منهي عنه ومذموم على كل حال؛ لأنه لا يقصد منه تبيين الحق، وإنما يقصد به الانتصار على الآخرين وتحقيرهم وإذلالهم.

أما الجدال فله حالتان: الأولى: الجدال المحمود، وهو الذي يكون لتبيين الحق وإظهاره، ودحض الباطل وإسقاطه، وهو الذي أمرت به الأدلة الشرعية، وفعله العلماء قديماً وحديثاً.

الثانية: الجدال المذموم، وهو الذي يقصد به الغلبة

والانتصار للنفس ونحو ذلك وهو الذي تحمل عليه الأدلة الشرعية الناهية عن الجدال، ويكون الجدال هنا كالمراء، وكلاهما محرم.

ويمكن للإنسان أن يعرف أن الشخص يماري أو يجادل من خلال طريقته في الكلام، وموقفه مما يُعرض عليه من الأدلة والحجج.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015