تاسعاً: هذه الشخصيات اختفت عن العيون إلا أن سيرها العطرة المدونة لا تزال بقراءتها تفوح مسكاً وطيباً، وتؤثر في صياغة النفوس واستقامتها على الهدى والصلاح.
عاشراً: القدوة لا تزال مؤثرة وستبقى مؤثرة في النفس الإنسانية، وهي من أقوى الوسائل التربوية تأثيراً في النفس الإنسانية وإيحاء لها لأمرين:
1- لأن النفس الإنسانية مشغوفة بالإعجاب بمن هو أعلى منها كمالاً، ومهيأة للتأثر بشخصيته واستهواء فكره وسلوكه ومحاولة محاكاته.
2- لأنها تمنح الآخرين قناعة بأن التكاليف والفضائل ممكنة التطبيق، وأنها في قدرة الإنسان، وأن لها عائداً عليه في الدنيا والآخرة، ولا ريب أن شاهد الحال أقوى من شاهد المقال.
الحادي عشر: القدوة الصالحة المؤثرة في المجتمعات الإسلامية في الوقت الحاضر قليلة رغم كثرة أهل العلم والتقوى والصلاح، وهذا يعود إلى الأمور التالية:-
1- عدم توافر جميع الصفات التالية في كثير من الأشخاص الذين هم محل للاقتداء:-
أ- الاستعداد الذاتي المتمثل في طهارة القلب وسلامة العقل واستقامة الجوارح؛ ذلك أن الإنسان لا يكون قدوة لغيره إلا إذا كانت نفسه طاهرة من الآثام، مهيأة لفعل الخير، حريصة عليه، وسلوكه مستقيماً لا يعرف عند أحد بباطل ولا كذب، ويدل مظهره عليه. ب- التكامل في الشخصية أو في جانب منها بحيث يكون الشخص محلاً للإعجاب وتقدير الآخرين ورضاهم، مع سلامة في الدين وحسن الخلق.
ت- حب الخير للآخرين والشفقة عليهم والحرص على بذل المعروف وفعله والدعوة إليه، فمن كان على هذه الصفة أحبه الناس وقدروه وتأسوا به، ومن فقد هذه الصفة لم يلتفتوا
إليه.
2- عدم تسديد النقص أو القصور الذي قد يعتري من هم محل للاقتداء كالآباء والمعلمين وأهل العلم في صفة من تلك الصفات مما يصرف الناس عن التأسي بهم، وهذا يرجع إلى عدم
إدراك هؤلاء للواجب، أو عدم تصورهم لأثر القدوة في التربية والإصلاح، أو لضعف شخصي ناتج عن استجابة لضغط المجتمع المشوب، أو لسلبية عندهم نحو المشاركة في تربية
الناشئة وإصلاح أفراد المجتمع.
3- مزاحمة القدوات المزيفة المصطنعة للتلبيس على الناس وإضلالهم عن الهدى وتزيين السوء في أعينهم، وصرفهم عن أهل الخير وخاصة الله، فقد أسهم الإعلام المنحرف والمشوب في صناعة قدوات فاسدة أو تافهة، وسلط عليها الأضواء ومنحها من الألقاب والصفات والمكانة الاجتماعية ما جعلها تستهوي البسطاء من الناس أو ضعاف النفوس والذين في قلوبهم مرض، وتوحي بزخرف القول الذي يزين لهؤلاء تقليدهم ومحاكاتهم، هذا والله أعلم.