والزنا والقتل قد رتبت عليهما أشد العقوبات في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا قتل الزاني المحصن وجلد الزاني غير المحصن وتغريبه، وفي الآخرة وعد بدخول النار، والقاتل عوقب في الدنيا بالقتل، وفي الآخرة توعد بالنار واللعن والغضب، قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) [الفرقان:68] . وقال سبحانه: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93] . والحديث المذكور في السؤال أخرجه أحمد (7891) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- "مُخَنَّثِي الرِّجَالِ الَّذِينَ يَتَشَبَّهُونَ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالرِّجَالِ، وَالْمُتَبَتِّلِينَ مِنْ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا نَتَزَوَّجُ. وَالْمُتَبَتِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ اللَّائِي يَقُلْنَ ذَلِكَ، وَرَاكِبَ الْفَلَاةِ وَحْدَهُ". فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى اسْتَبَانَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِهِمْ، وَقَالَ: "الْبَائِتَ وَحْدَهُ".
وما جاء في هذا الحديث من لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال صحيح، فقد جاء من طرق عديدة من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، وله شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. أخرجه البخاري (5885) وغيره. والحكمة من لعن المتشبهين والمخنثين لما في فعلهم من تغيير خلق الله، فالرجل يظهر نفسه بصورة المرأة، والمرأة تظهر نفسها بصورة الرجل، وقد جاء في لعن الواصلات تعليل اللعن بقوله في الحديث: "المُغَيِّراتِ خَلْقَ اللهِ". أخرجه البخاري (4886) ومسلم (2125) ، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وأما لعن المتبتلين وما ذكر بعده في الحديث فهذا ضعيف، فقد رواه أحمد من طريق: طيب بن محمد، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، وطيب بن محمد مجهول، وأورده البخاري في التاريخ الكبير 4/362، وقال: لا يصح. وقد جاءت الأحاديث بالنهي عن التبتل وعن الوحدة في السفر وأن يبيت الرجل وحده. والله أعلم.
هذا، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.