فهذا الحديث جاء ليستبدل بالمعنى الجاهلي معنى إسلامياً، فقد جاء ليقضي على التمييز العنصري بناءً على اللون أو العرق الذي كان متأصلاً في قلوب العرب قبل الإسلام. وهو بذلك أبعد ما يكون عما فهمه السائل منه، بظنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- يستخف بالعبد الحبشي، ولذلك ضرب به المثل. هذا الفهم بعيد عن مراده - صلى الله عليه وسلم- كل البعد فهو - صلى الله عليه وسلم- إنما ضرب المثل بمن كان العرب في الجاهلية يتخذونهم رقيقاً مملوكين، لينفي بذلك كل معنى للعنصرية المقيتة بناءً على اللون أو العرق. هذا هو جواب الإشكال الذي وقع في نفس السائل.
ومما ينبغي أن يذكر في هذا السياق، مما لا بد من بيانه، ليصح التصور الإسلامي في هذه المسألة على وجه أتم أن ما سبق كله لا ينفي أن للعرب المسلمين فضلاً ثابتاً في النصوص، من جهة خصائص في طباعهم جبلهم الله -تعالى- عليها، ومن جهة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- منهم، وأن القرآن نزل بلغتهم، وأنهم أول من حمل راية الإسلام، وأن قبلة المسلمين والحرمين الشريفين في بلادهم، وغير ذلك من الفضائل التي اتفق أهل السنة والجماعة على الإيمان بها والاعتراف بها للعرب المسلمين. ولم يخالف في ذلك إلا الشعوبية، وهم الذين أنكروا فضل العرب، إما لجهلهم بالنصوص الواردة في ذلك، أو حسداً على هذا الفضل الذي خص الله به العرب، دون ظلم لمن سواهم، كما فضل بعض الناس على بعض في الرزق وقوة الأبدان وجمال الصور وطول العمر والذكاء والعقل، وغير ذلك من أقدار الله -تعالى- وعطاياه سبحانه: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم" [الجمعة: 40] .
وأعود وأذكر أن هذا لا يعارض ما سبق بأن المنزلة عند الله -تعالى- إنما تنال بالتقوى والعمل الصالح، فلا ينفع العربي نسبه إذا كان كافراً، ولمؤمن غير عربي أحب وأقرب عند الله -تعالى- من عربي فاجر أو كافر أما الفضل الذي خص به العرب السابق ذكره، فهو كسعة الرزق وقوة البدن ونحوها من النعم، التي تكون عوناً على التقوى لمن وفقه الله -تعالى- إلى ذلك، وقد تكون وبالاً على صاحبها إذا كان كافراً أو فاجراً. فذلك الفضل لا ينفع بمجرده، إنما ينفع مع الإسلام والإيمان والعمل الصالح، كما ينتفع المؤمن الغني بماله في الصدقة، وكما ينتفع المؤمن القوي البدن بقوته في الجهاد في سبيل الله -تعالى-.
والإيمان بهذا الفضل للعرب الذين جاءت به النصوص من الإيمان بالقضاء والقدر، الذي يستلزم من عبد الله الرضا بالقضاء والتسليم لحكم الله -تعالى-، كما رضي بتفاوت الناس في الأرزاق والأبدان والعقول والأعمار، وخضع في ذلك لخالقه الحكيم العليم -سبحانه وتعالى-. ملأ الله -تعالى- قلوبنا إيماناً به وحباً له ورضا بقضائه. والله أعلم. والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.