وبهذه الجهود المباركة حفظت السنة، وتميز الصحيح من الضعيف، ولعله اتضح بهذا أنه ليس كل ما نسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- يقبل ويؤخذ به، بل لا بد من معرفة ثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم-، وذلك لوجود الوضع في السنة، ولأن السنة نقلت عن طريق رجال الأسانيد، وحملة الأخبار فيهم الثقات وغير الثقات، والثقات يتطرق إلى حديثهم الوهم والخطأ، وهذا أمر ظاهر والذين صنفوا في السنة من الأئمة منهم من اشترط الصحة فيما يورده من الأحاديث كالبخاري ومسلم، ومن بعدهما كابن خزيمة وابن حبان، ولكن كتابيهما لا يبلغا مبلغ كتابي الشيخين، ومنهم من لم يشترط الصحة، لكن غالب ما يذكر الصحيح، وما قاربه وما فيه بعض ضعف، وهذا مثل بقية الكتب الستة وهي السنن الأربع: سنن أبي داود والنسائي، والترمذي، وابن ماجة، وهذه الكتب مع الصحيحين تسمى الكتب الستة، ومثلها موطأ مالك ومسند الإمام أحمد، فهذه المصنفات ونظائرها من كتب السنة أورد الأئمة فيها أمثل ما وقفوا عليه من المتون والأسانيد وما يصلح للاحتجاج والاستشهاد لأنهم ألفوها للعمل بما جاء فيها، ولتكون مرجعاً للأمة، قال أبو داود في رسالته إلى أهل مكة في وصف سننه،: (فإنكم سألتم أن أذكر لكم الأحاديث التي في كتاب السنن، أهي أصح ما عرفت في الباب؟ ووقفت على جميع ما ذكرتم، فاعلموا أنه كذلك كله.....وهو كتاب لا ترد عليكم سنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- بإسناد صالح إلا وهي فيه ... ولا أعلم شيئاً بعد القرآن ألزم للناس أن يتعلموه من هذا الكتاب ... وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته، ومنه ما لا يصح سنده وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح وبعضها أصح من بعض) ، وقال الإمام أحمد عن المسند: (إن هذا الكتاب قد جمعته وأتقنته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فارجعوا إليه، فإن كان فيه وإلا فليس بحجة) ، وهذا القول من الإمام أحمد المقصود به - والله أعلم- أصول الأحاديث، فإنه ما من حديث غالباً إلا وله أصل في المسند، وقال أيضاً: "قصدت في المسند الحديث المشهور.... ولو أردت أن أقصد ما صح عندي، لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء، ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث لست أخالف ما ضعف إذا لم يكن في الباب ما يدفعه) خصائص المسند لأبي موسى المديني ضمن مسند الإمام أحمد (1/27) ، والحاصل: أن هذه المصنفات هي كتب الأصول التي ينبغي العناية بها والرجوع إليها، وهناك مصنفات في السنة لم يقصد مؤلفوها ما قصده هؤلاء الأئمة بل هي مشتملة، على الغرائب والمناكير ... وهذه يتعامل معها المتمكن في علم الحديث، يقول الحافظ ابن رجب - رحمه الله - بعد كلام نقله عن الخطيب يحذر فيه من تتبع الأحاديث الغرائب-: (وهذا الذي ذكره الخطيب حق، ونجد كثيراً ممن ينتسب إلى الحديث لا يعتني بالأصول الصحاح كالكتب الستة ونحوها، ويعتني بالأجزاء الغريبة وبمثل مسند البزار، ومعاجم الطبراني، أو أفراد الدارقطني، وهي مجمع الغرائب والمناكير "شرح علل الترمذي (1/409) ، والأحاديث التي ذكرها السائل - وفقه الله - في سؤاله منها ما يصح، ومنها ما لا يصح، وهي تدل على حجية السنة ووجوب اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم-، ومتضمنة لوجوب التثبت في قبول الأحاديث لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- حذر من الكذب عليه ولا يكون التحذير إلا من أمر يخشى وقوعه، وقد حصل هذا وبذل الأئمة جهوداً كبيرة لكذب عن السنة وتميز المقبول من المردود. هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.