(1) الأصل في المرأة ألا تبدي من زينتها إلا ما ظهر منها، وهي الثياب الظاهرة والعباءة ونحو ذلك، مما لا يمكن ستره، وعلى القول الآخر أنه الوجه والكفان، فلا يجوز لها أن تبدي أكثر من ذلك من شعر أو نحر، أو ذراع، أو ساقين، وإن كان الأرجح هو القول الأول.
(2) أن الأصل في المرأة أن جميع بدنها عورة، كما في حديث ابن مسعود، رضي الله عنه، السابق؛ ولذا فلا يجوز أن يبدو منها إلا ما استثني للنساء وللمحارم.
(3) أن الله تعالى أمر بالحجاب والجلباب وهما ما تختمر به المرأة، ومعنى هذا أن المرأة لا تكون عند رجل ليس محرمًا منها بغير ذلك.
(4) أن الله تعالى نهى المرأة أن تضرب برجلها الأرض حتى لا يسمع صوت الخلخال (وهو الحلي من القدم) ، وهذا يدل على أن المرأة يجب أن تبتعد عن الرجل مخافة تأثره بها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، ويدل عليه حديث: "مَا ترَكتُ بعدي فتنةً أضَرَّ عَلَى الرِّجالِ مِن النِّساءِ". رواه البخاري (5096) ومسلم (2740) ، من حديث أسامة بن زيد، رضي الله عنهما.
(5) أن خلوة الرجل بالمرأة لا تجوز، فكيف بمماسَّته إياها؟
وعلم من هذا كله أن معالجة الطبيب الرجل للمرأة في الأصل لا تجوز أبدًا إذا تضمنت ما نهى الله عنه مما تقدم، ولإيضاح ذلك فيما يتعلق بالطبيب فأشير إلى أمثلة:
(1) خلوة الطبيب بالمرأة سواء من العيادة في الغرفة وحدهما دون وجود محرم، أو على أقل الأحوال امرأة أخرى كالممرضة (المأمونة) ، أو كان ذلك في غرف التنويم إذا كانت المرأة في غرفة منفردة.
(2) حرمة مس الرجل للمرأة بأي سبب وفي أي موضع، ويفحش ويغلظ تحريمه كلما كان في موضع أكثر فتنة وأغلظ في العورة.
(3) حرمة نظر الطبيب إلى المرأة فيما يحرم عليه النظر إليه، كجميع بدن المرأة، أو عند بعضهم جميع البدن ما عدا الوجه والكفين، كنظره إلى رقبتها، أو صدرها، أو ظهرها، أو بطنها, فهو محرم، وإن لم يتضمن مُمَاسَّة.
(4) توليد الرجل للمرأة، وهذا أغلظ ما يمكن تصوره؛ لأنه نظر إلى العورة المغلظة جدًّا، بل ومس لها.
(5) مثل ذلك إجراء العمليات للنساء من قبل الرجال.
إذًا فهذا هو الأصل في معاملة الطبيب للمرأة؛ أنه يحرم عليه ما يحرم على غيره من الرجال وفق الأدلة السابقة.
وليس في الأدلة ما يخص رجلاً دون غيره إلا الزوج لزوجته، والسيد لأمته التي تسرَّى بها، فكل منهما يرى من امرأته كل شيء كما لا يخفى.
وكذلك مما استثني من المحارم، وإنما يجوز لهم ما يظهر غالبًا كالوجه، والشعر، والنحر، وأطراف الذراعين، والساقين، دون ما فوق ذلك على الصحيح من أقوال أهل العلم، كما هو ظاهر آية سورة النور، وأما الطبيب فإنه لم يستثن، ولكن الطبيب إنما نأخذ حكمه من قواعد الضرورة والحاجة التي ذكرها الفقهاء، وهي قواعد مستندة إلى أدلة شرعية ومنها ما يلي:
(1) قاعدة: الضرورات تبيح المحظورات.
(2) قاعدة: الضرورة تقدر بقدرها.