المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 14/05/1427هـ
السؤال
قرأت رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى المواقع، فأثارت في نفسي بعض التساؤلات؟
تقول الرواية: ذهب رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجلس عنده، فجاءت امرأة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ووقفت عنده، وقالت: يا رسول الله! جئت أهب نفسي لك، أريدك أن تتزوجني، فنظر إليها الرسول صلى الله عليه وسلم، وصعد النظر وصوبه كأنها ما أعجبته فسكت قليلاً، فجاء رجل من عنده، وقال: يا رسول الله! زوجنيها إذا لم يكن لك بها حاجة، فقال له الرسول عليه السلام: "ابحث عن مهر ... ". إلى آخر الرواية.
السؤال الذي دار في ذهني هو عندما جاءت هذه المرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ورفضها؛ لأنها لم تعجبه وأعتقد لجمالها القليل، هل الرسول صلى الله عليه وسلم يبحث عن الجمال قبل الدين؟ وهو القدوة، وقد قال: "اظفر بذات الدين تربت يداك". أليس الأولى بالرسول صلى الله عليه وسلم أن ينظر إلى دينها أولا؟
الشبهة الثانية التي دارت في نفسي: وجود ذلك الصحابي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف كشفت المرأة عن وجهها أمامه وهو غير معني بالأمر لأنها جاءت للرسول فقط؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا الحديث الذي ذكرتِهِ -يا ابنتي- يسميه العلماء حديث الواهبة نفسها، وهو ثابت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه- صحيح البخاري (5030) ، وصحيح مسلم (1425) . ولا إشكال فيما ذكرت -بحمد الله-:
أما الشبهة الأولى: فإنك قلت في سؤالك: أعتقد لجمالها القليل! وهذا مجرد ظن، فلا يصلح أن تبني عليه حكماً، أو شبهة، خاصة وأن الأمر متعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ثم لو فرضنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرغبها لقلة جمالها، فليس في ذلك ما يدعو إلى الاستغراب أو سوء الظن، فإن الجمال من مطالب الفطرة التي أقرتها الشريعة، كما في حديث أبي هريرة -المتفق عليه-: "تنكح المرأة لأربع ... ". وذكر منها: "ولجمالها" صحيح البخاري (5090) ، وصحيح مسلم (1466) . والرسول صلى الله عليه وسلم بشر من الناس يعجبه الجمال.
وأما كونه يبحث عن الجمال قبل الدين فليس الأمر كما ظننتِ -يا ابنتي- لسببين:
الأول: لأن هذه المرأة معلومة الدين والعفة، ومعلومة النسب -أيضاً- لذا لم يسأل عنهما، فمجتمع المدينة صغير، لا يكاد يخفى فيه أمر أحد صلاحاً وفساداً، فلم يبق إلا المطلب الأخير وهو الجمال -على فرض أن هذا هو السبب في الرفض-.
الثاني: أن المرأة قد تكون من أجمل النساء، ولكن لا يقع حبها في القلب، ولا توجد الراحة من قبل الرجل لها، وهذا أمرٌ معروف لا ينكره أحد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف". رواه مسلم (2638) موصولاً من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، والبخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب الأرواح جنود مجندة، تعليقاً من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
وكم من امرأة اشتهرت بالجمال طلقت من أول أيام زواجها، لعدم وجود الائتلاف والمحبة بين الزوجين.
وههنا مسألة، وهي: هل الأولى للإنسان أن يسأل عن الجمال أولاً أم عن الدين؟
الذي يظهر لي أنه يسأل عن الجمال أولاً، فإن كان كما يحب، سأل عن الدين حتى إذا كان الدين غير مرضي ردّها؛ ليُعْلَمَ أنه ردّها من أجل دينها، لا من أجل جمالها.
وأما الشبهة الثانية: فهذا الحديث محمول على أنه كان قبل نزول آية الحجاب، وبذلك يزول الإشكال، والحمد لله رب العالمين.