وأخرج الإمام أحمد في مسنده (769) من حديث عَلِيٍّ، رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: حَرْبًا. قَالَ: "بَلْ هُوَ حَسَنٌ". فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: حَرْبًا. قَالَ: "بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ". فَلَمَّا وُلِدَ الثَّالِثُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ ". قُلْتُ: حَرْبًا. قَالَ: "بَلْ هُوَ مُحَسِّنٌ". ثُمَّ قَالَ: "سَمَّيْتُهُمْ بِأَسْمَاءِ وَلَدِ هَارُونَ شَبَّرُ وَشَبِيرُ وَمُشَبِّرٌ. . . . ".
قال أبو داود: (وغيَّر النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاص وعزيز وعتلة وشيطان والحكم وغراب وحباب وشهاب فسماه هشامًا، وسمى حربًا سلمًا، وسمى المضطجع المنبعث، وأرضًا تسمى عفرة سماها خضرة، وشِعْبُ الضلالة سماه شعب الهدى، وبنو الزنية سماهم بني الرشدة، وسمى بني مغوية بني رشدة) . قال أبو داود: تركت أسانيدها للاختصار) . ينظر: سنن أبي داود (4956) .
وفي تغيير هذه الأسماء ونحوها دليل على حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تغيير الأسماء القبيحة والمشتملة على التزكية أو الذم أو المدح أو المعاني غير اللائقة، وليس المقصود من ذلك أن معنى الاسم يكون صفةً لازمة في الشخص، لأن الأسماء للدلالة والتعريف، وقد يوجد شيء من تأثير الأسماء في مسمياتها، ونوع من الارتباط، ولكن هذا ليس بمطرد.
قال الطبري رحمه الله: (لا ينبغي التسمية باسم قبيح المعنى، ولا باسم يقتضي التزكية له، ولا باسم معناه السب، ولو كانت الأسماء إنما هي أعلام للأشخاص، ولا يقصد بها حقيقة الصفة. لكن وجه الكراهة أن يسمع سامع بالاسم، فيظن أنه صفة للمسمى، فلذلك كان صلى الله عليه وسلم يحول الاسم إلى ما إذا دعي به صاحبه كان صدقًا) . ينظر: فتح الباري (10/577) .
وقال: (وليس تغيير رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غير من الأسماء على وجه المنع للتسمي بها، بل ذلك على وجه الاختيار، لأن الأسماء لم يسم بها لوجود معانيها في المسمى بها، وإنما هي للتمييز، ولذلك أباح المسلمون أن يتسمى الرجل القبيح بحسن، والرجل الفاسد بصالح، ويدل على ذلك قول جد ابن المسيب للنبي صلى الله عليه وسلم حين قال له: "أنْتَ سَهْلٌ": لا أغير اسمًا سمَّانيه أبي. أخرجه البخاري (6190) . فلم يلزمه الانتقال عنه على كل حال، ولا جعله بثباته آثمًا بربه، ولو كان آثمًا بذلك لجبره على النقلة عنه إذ غير جائز في صفته عليه السلام أن يرى منكرًا وله إلى تغييره سبيل) . ينظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال 9/348.