فبالنسبة لسؤال الأخت الجزائرية عن فسخ الخطوبة بالهاتف، وبسبب عدم الاتصال بها كما لم تكن خطيبته، فنقول للأخت الفاضلة: إن الخطبة من الأمور المستحبة في عقد النكاح، فهي ليست بركن، ولا بشرط، ولا بواجب، وإنما هي وسيلة معرفة ومقدمة لعقد النكاح، وفرصة تعطى للخاطبين في الموافقة على إنشاء وإبرام العقد، أو فسخه بعدها، وهي تبيح للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته، وتنظر إليه لقوله - صلى الله عليه وسلم-: "إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل" رواه أبو داود (2082) من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- وقوله - صلى الله عليه وسلم- لآخر " انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" رواه الترمذي (1087) ، والنسائي (3235) ، وابن ماجة (1866) من حديث المغيرة ابن شعبة -رضي الله عنه-، وقوله - صلى الله عليه وسلم- لآخر: "انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً" رواه مسلم (1424) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، والأحاديث مشتهرة بين أهل العلم، وهي ثابتة بجملتها، ولأجل أن يكون كل من الخاطبين على معرفة بالآخر من حيث الشكل والهيئة، فالخطبة مشروعة ونظر الخاطبين لبعضهما مشروع كما تفيده النصوص السابقة، والحكمة من مشروعيتها من أجل أن يبرم عقد النكاح بعد تبصر ورؤية ودراية بحال كل من العاقدين بالآخر، ولكنه لا يجوز للرجل أن يتصل بمخطوبته ولا المخطوبة أن تتصل بخطيبها؛ لأن كلاً منهما أجنبي على الآخر، حيث الخطبة ليست بعقد نكاح، وإنما شرع النظر بحضور أوليائها، ليرى منها ما يدعوه إلى نكاحها، وبعد حصول ذلك فلا يجوز لا له ولا لها أن يجتمعا ويختلطا ويخرجا مع بعضهما، بل ولا يجوز له أن يتصل بها بالهاتف من غير حاجة؛ لأن كلاً منهما أجنبي عن الآخر، فعدم اتصاله بك ليس معناه عزوف عن الخطبة، فالأصل أن لا يتصل بعدما حصلت المعرفة في المرة الأولى، وله ولك فسخ الخطبة حتى ولو تمت الرؤية بينكما إذا تحصلت القناعة لديك أو لديه، أو لأوليائك، فللجميع العدول عن الخطبة، لأن الخطبة طلب، والطلب قد يجاب إليه وقد لا يجاب، فالخطبة ليست عقد إلزام، وليست من تمامها قراءة الفاتحة، ولا يشترط لفسخها اجتماع الرجال من الطرفين، ولهذا لا يستحب إعلان الخطبة بخلاف عقد النكاح، ولهذا يرى كثير من أهل العلم إخفاءها ليتسنى لكل من الخاطبين العدول من غير أن يلحق ضرراً بالآخر. فالمهم يجوز الفسخ بأي وسيلة: مشافهة أو مكاتبة أو مهاتفة, ويلزم رد ما تقدم به من مال أو حلي أو ملابس، وبخاصة إذا كان العدول من المخطوبة، أو أوليائها وبالله التوفيق.