وأما العباس - رضي الله عنه - فلم يشهد الموقف بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ"، فلذلك استثناه النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وليس في الحديث غض من قدر الصحابة - رضي الله عنهم - فما فعلوه هو من تمام شفقتهم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكمال محبتهم له، حيث رغبوا أن يبذلوا ما يستطيعون من أسباب لكي يستعيد النبي -صلى الله عليه وسلم- عافيته، ولكن اجتهادهم حملهم على تأويل نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، وأنه قال ذلك من باب كراهية المريض للدواء، وأن المريض ولو كره الدواء يلزم به ويحمل عليه، ولما أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يلد جميع من في البيت، بادروا إلى ذلك فلم يبق أحد في البيت إلا لد.
والصحابة - رضي الله عنهم - هم سادة الأمة فضلاً وعلماً ومنزلة، وكيف يستجيز أحدٌ سبهم والنيل منهم وهم خير القرون وأفضل الأمة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ" أخرجه البخاري (3673) ومسلم (2541) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
ومن المعلوم أن الصحابة-رضي الله عنه- كلهم عدول، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد بإجماعهم من الأمة، والطعن في عدالتهم وتنقصهم من سمات أهل الزندقة والضلال، قال أبو زرعة الرازي: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى ذلك كله إلينا الصحابة-رضي الله عنهم-، وهؤلاء الزنادقة يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، فالجرح بهم أولى) .