وقال الأوزاعي: إذا دخل المسجد يركعهما إلا أن يوقن أنه إن فعل فاتته الركعة الآخرة، فأما الركعة الأولى فيركع وإن فاتته.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن خشي أن تفوته الركعتان ولا يدرك الإمام قبل رفعه من الركوع في الثانية دخل معه، وإن رجا أن يدرك ركعة صلى ركعتي الفجر خارج المسجد ثم يدخل مع الإمام.
وقد استدلوا بدليلين:
1- أن ركعتي الفجر من السنن المؤكدة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب عليها. انظر صحيح البخاري (1163) ومسلم (724) .
2- ما روي عن ابن مسعود، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنه جاء والإمام يصلي الفجر، فصلى ركعتين إلى سارية، ولم يكن صلى ركعتي الفجر. أخرجه عبد الرزاق (4021) . وما روي عن ابن عمر، رضي الله عنهما، أنه دخل المسجد والناس في الصلاة، فدخل بيت حفصة، رضي الله عنها، فصلى ركعتين، ثم خرج إلى المسجد فصلى. أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (22/ 75) .
والأولى الأخذ بما دل عليه عموم الحديث أنه إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، والسنة هي الحجة عند التنازع.
وإذا تقرر ما سبق من النهي عن الشروع في النافلة بعد سماع الإقامة، فهل يقطع النافلة من كان داخلاً فيها بعد إقامة الصلاة؟ من العلماء من قال بقطع النافلة عند سماع الإقامة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ ".
قال العراقي: (إن قوله: " فَلَا صَلَاةَ ". يحتمل أن يراد: فلا يشرع حينئذٍ في صلاة عند إقامة الصلاة. ويحتمل أن يراد: فلا يشتغل بصلاة، وإن كان قد شرع فيها قبل الإقامة، بل يقطعها المصلي لإدراك فضيلة التحريم، أو أنها تبطل بنفسها، وإن لم يقطعها المصلي. يحتمل كلا من الأمرين) . [ينظر: نيل الأوطار (3/97) ] .
وخص بعض العلماء النهي في الحديث عن الشروع في النافلة بعد سماع الإقامة، أما من كان شارعًا فيها قبل الإقامة فلا يشمله النهي، وله أن يتمها بشرط أن لا تفوته الجماعة، وبعضهم لم يشترط ذلك، واستدلوا بعموم قوله تعالى: (وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) [محمد: 33] . ويمكن الإجابة عن الآية بأنها عامة والحديث خاص، فيخصص ما تضمنه الحديث من عموم الآية، ثم إن سياق الآية يدل على أن المقصود بالإبطال المعصيةُ من الشرك وغيره الذي يؤدي إلى إبطال العمل.
والذي يظهر - والله أعلم - أن المصلي إذا كان في نافلة وسمع الإقامة فإن أمكنه أن يتمها خفيفة ويدرك أول الصلاة مع الإمام بحيث لا تفوته الركعة الأولى من الصلاة فله ذلك، وإذا قطعها أخذًا بعموم الحديث فلا حرج. والله أعلم. هذا والله الموفق، والهادي إلى سواء السبيل.