الجملة المذكورة في السؤال وردت في حديث معاذ - رضي الله عنه-، والحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/243) ح (22162) قال: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا جهضم - يعني اليمامي- حدثنا - يحي يعني بن أبي كثير- حدثنا زيد يعني بن أبي سلام- عن أبي سلام- وهو زيد بن سلام بن أبي سلام نسبه إلى جده- أنه حدثه عبد الرحمن بن عياش الحضرمي عن مالك بن يخامر أن معاذ بن جبل - رضي الله عنه- قال- احتبس علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ذات غداة عن صلاة الصبح، حتى كدنا نتراءى قرن الشمس، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سريعاً فثوب بالصلاة وصلى وتجوز في صلاته، فلما سلم قال: "كما أنتم على مصافكم"، ثم أقبل إلينا فقال: "إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة، إني قمت من الليل، فصليت ما قدر لي، فنعست في صلاتي حتى استثقلت فإذا أنا بربي - عز وجل- في أحسن صورة، فقال يا محمد: أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري يا رب قال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري رب فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين صدري فتجلى لي كل شيء وعرفت، فقال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات، قال: وما الكفارات؟ قلت: نقل الأقدام إلى الجمعات وجلوس في المساجد بعد الصلاة، وإسباغ الوضوء عند الكريهات، قال: وما الدرجات؟ قلت: إطعام الطعام، ولين الكلام، والصلاة والناس نيام، قال: سل، قلت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم، فتوفني غير مفتون، وأسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك" وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "إنها حق فادرسوها وتعلموها" أخرجه الترمذي ح (3235) ، وقال: حديث حسن صحيح، وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الإمام أحمد كما في التهذيب (6/205) : والرؤية المذكورة في الحديث رؤيا منام لا يقظة، وهذا ظاهر من قوله في الحديث: "فنعست في صلاتي حتى استثقلت ... " وفي المسند: "حتى استيقظت"، وقال الحافظ ابن كثير- بعد أن أورد الحديث-: (فهذا حديث المنام المشهور ومن جعله يقظة فقد غلط) ، وأما ما جاء في هذا الحديث من وصف النبي - صلى الله عليه وسلم- لربه، فهو حق يجب الإيمان به من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه، كما قال -عز وجل- عن نفسه: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" [الشورى من الآية: 11] ، قال الحافظ ابن رجب: "وأما وصف النبي - صلى الله عليه وسلم- لربه عز وجل بما وصفه به فكل ما وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - به ربه عز وجل فهو حق وصدق يجب الإيمان والتصديق به كما وصف الله عز وجل به نفسه مع نفي التمثيل عنه، ومن أشكل عليه فهم شيء من ذلك واشتبه عليه فليقل كما مدح الله تعالى به الراسخين في العلم وأخبر عنهم أنهم يقولون عند المتشابه: "آمنا به كل من عند ربنا" [آل عمران من الآية: 7] ، وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم- في القرآن: "وما جهلتم منه فكلوه إلى عالمه" خرجه الإمام أحمد (6702) ، ولا يتكلف ما لا علم له به فإنه يخشى عليه من ذلك الهلكة، وقد أفرد الحافظ ابن رجب - رحمه الله- شرح الحديث في كتاب مستقل، وهو:
"اختيار الأولى في شرح حديث الملأ الأعلى"، وهو كتاب نفيس توسع فيه ابن رجب في شرح الحديث، فيحسن الرجوع إليه. هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.