المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 17/7/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فضيلة الشيخ: قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-فيما معنى الحديث "العبادة في الهرج كهجرة إلي"
(1) ما هو الهرج؟
(2) وهل القيام بأي عبادة سواء كانت فرضاً، أم نافلة، أو ذكراً من الأذكار، أو غير ذلك يكون كالهجرة؟
(3) وهل ورد في الوحيين ذكر لأجر الهجرة؟
(4) لماذا كانت العبادة في الهرج بهذا الأجر؟ أو لماذا حرص المصطفى -صلى الله عليه وسلم- على الحث عليها في الهرج؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد:
هذا الحديث أخرجه مسلم (2948) ، والإمام أحمد (20298) ، والترمذي
(220) من حديث معقل بن يسار -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "العِبَادة في الهَرْجِ كهِجْرةٍ إليَّ"، وعند الإمام أحمد: " العمل في الهَرْجِ ... "
الهَرْج: أصل الهرج في اللغة الاختلاط، ومنه هرج الرجل في حديثه خلط، وهَرَّجَ الناس: اختلطوا واختلفوا، والمراد به في الحديث: القتل والفتن. وقد شبَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- العبادة في الهرج- وهو زمن ظهور الفتن والقتل، واختلاط أمور الناس - بالهجرة إليه عليه الصلاة والسلام، ووجه الشبه: أن المهاجر قد فرَّ بدينه من دار الكفر وأهله إلى دار الإيمان وأهله، والمتعبد في الهرج قد اعتصم بعبادة ربه من الفتن، وتمسَّك بدينه، واتبع ما يحبه الله ويرضاه، وتجنب ما يسخطه، ونبذ ما يكون عليه الناس في زمن الفتن من اتباع الأهواء والآراء المنحرفة، التي تصد عن دين الله.
وهناك معنى آخر: وهو ما يحصل في زمن الفتن، من انشغال الناس وغفلتهم عن العبادة؛ بحيث لا يتفرغ لها إلا القليل من الناس، فبذلك يعظم أجرها وثوابها، ثم ما يكون في لزوم العبادة من زيادة الإيمان، ورسوخ اليقين الذي يظهر أثره على المتعبد فتحصل له العصمة -بإذن الله- من الفتن، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم. يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً. يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا" أخرجه مسلم ح (118) ، والعبادة - المنوه بفضلها في زمن الهرج - يدخل فيها جميع أنواع العبادة من الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، والعمرة، والذكر، وقراءة القرآن، وغير ذلك.
وأما عن فضل الهجرة، فقد ورد في القرآن والسنة ما يدل على فضلها ومنزلتها، وامتداح أهلها قال الله -عز وجل-: "وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً" [النساء:100] قال سبحانه: "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" [التوبة:100] وقال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" [البقرة:218] .
وورد في السنة أحاديث كثيرة تدل على فضل الهجرة وعظيم ثوابها، وتكفيرها للذنوب ومن ذلك: ما أخرجه مسلم (121) من حديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه- عندما جاء يبايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأراد أن يشترط، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها ... "، وكذلك ما أخرجه مسلم (116) من حديث الطفيل بن عمرو الدوسي -رضي الله عنه- عندما هاجر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- ومعه رجل آخر من قومه فقتل هذا الرجل نفسه، فرآه الطفيل في المنام في هيئة حسنة، فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وما أخرجه النسائي (780) من حديث أبي مسعود - رضي الله عنه- قال: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قراءة فإن كانوا في القراءة سواء فيؤمهم أقدمهم هجرة ... "، وما جاء في الصحيحين البخاري (1296) ، ومسلم (1628) من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " اللهم امض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم....."، وهذا يدل على فضل الهجرة، وحرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه كي يفوزوا بفضلها، ولا يفوتهم ما ادخر الله لهم من أجلها من أجر عظيم وثواب جزيل. هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.