لا شك أن دفع المال إلى هذا الضابط رشوة، والرشوة محرمة؛ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَعَنَ اللهُ الرَّاشِي والمُرْتَشِي". أخرجه أبو داود (3580) والترمذي (1337) وابن ماجه (2313) . وفي رواية: "والرَّائِشَ". أخرجها أحمد (22399) . غير أنها في حق الآخذ (المرتشي) محرمة بالإجماع ولا استثناء في ذلك، أما في حق الراشي (الدافع) ، ففيه تفصيل: فإن كانت من أجل إبطال حق شرعي ثابت عليك من مال أو غيره فهي حرام، وإن كان دفعها من أجل استرداد أو إبقاء حق شرعي لك فهي جائزة بحكم الضرورة، والضرورة استثناء من حرام، وهي دفاع عن المال أو النفس بطريق سلمي، وقد أباح الله الأكل من الميتة والخنزير للمضطر بقوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [البقرة: 173] . ومن هذه الآية ونحوها أخذت القاعدة الشرعية: "الضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها". وذكر عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه (14671) عن الحسن البصري أنه قال: (ما أَعطيتَ مِن مالِكَ مُصانَعَةً عَلَى مالِك ودَمِك، فأنت فيه مأجور) . وكان الناس في المدينة المنورة زمن زياد بن أبي سفيان، وكان أميرًا ظالمًا يدفعون الرشوة، قال أبو الشعثاء، وهو من كبار التابعين: (ما كان شيء أنفع للناس من الرشوة في زمن زياد) . وذكر القرطبي في تفسيره عند الآية: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) [المائدة: 42] : روي عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، أنه لما أتى أرض الحبشة أخذ بشيء فتعلق به فأعطى دينارين حتى خلي سبيله. أخرجه ابن سعد 3/151، والبيهقي 10/139.
والخلاصة: إن كان الأمر- كما تذكر- فادفع الرشوة لتنجو من انتهاك عرضك بفاحشة اللواط، نعوذ بالله من ذلك، والدفع عن العرض أهم من الدفع لحفظ المال، بل العرض شقيق النفس في الكتاب والسنة. وفقنا الله وإياك إلى الثبات على الحق.