وإذا جاز للمسلم أن يتوظف في حكومة كافرة، ويطبق من أنظمة الدولة ما يوافق شرع الله، كما كان من تولي نبي الله يوسف -عليه السلام- وظيفة المالية والخزانة لفرعون مصر قال تعالى: " قال اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ" [يوسف: من الآية55] ، فإن أخذ الجنسية من الدولة الكافرة أهون من هذا، ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية (السابق لعصره) حيث يقول في مجموع الفتاوى (30/55) : (الولاية وإن كانت جائزة أو مستحبة أو واجبة فقد يكون في حق الرجل المعين غيرها أوجب أو أحب، فيقدم حينئذ خير الخيرين وجوباً تارة واستحباباً أخرى، ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق - عليه السلام -على خزائن الأرض لملك مصر، بل ومسألته له أن يجعله على خزائن الأرض، وكان هو وقومه كفاراً، كما قال تعالى: "وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ" [غافر: من الآية34] ، وقال تعالى عنه: "يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ" [يوسف: 39-40] ، ومعلوم أنه مع كفرهم لا بد أن يكون لهم عادة وسنة في قبض الأموال وصرفها على حاشية الملك وأهل بيته وجنده ورعيته، ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم، ولم يكن يوسف - عليه السلام- يمكنه أن يفعل كل ما يريد وهو ما يراه من دين الله، فإن القوم لم يستجيبوا له، لكن فعل الممكن من العدل والإحسان، ونال يوسف - عليه السلام- بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته، وهم مسلمون، بل وفيهم أبوه نبي الله يعقوب - عليه السلام- ما لم يكن يمكن أن يناله بدون ذلك، وهذا كله داخل في قوله تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن: 16] ا. هـ.