فأنت ترى -وفقك الله- أن نسبة هذه الأفعال كلها للشمس ظاهر في أنها تتحرك.
إذا علم ذلك، فاعلم أن القرآن لم ينف أن الأرض تتحرك ولم يثبت ذلك -أيضاً-، وعليه فلا تعارض بين القرآن والواقع العلمي الذي يثبت حركة الأرض، ويكون ما ذكر -من نسبة الأفعال إلى الشمس- هو باعتبار نظر العين لها.
3- فيما يخص سجود الشمس، وذهابها وسجودها تحت العرش. وكيفية تصوره مع أنها إنما تغرب عنا لتشرق على آخرين، فالجواب عنه سهل -بحمد الله- وذلك من وجهين:
الأول: إنه لا مانع أن تكون الشمس في حالة سجود دائم لربها -عز وجل-، وهذا ليس بغريب إذا تصورت أن كل ما في السماوات والأرض يسجد لله، وأن سجود كل شيء بحسبه، كما قال تعالى: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ" [الحج:18] .
ومن المعلوم أن سجود الآدميين ليس كسجود السماوات والأرض وبقية هذه المخلوقات العظيمة التي ذكرها الله تعالى في هذه الآية، والفعل المضارع يفيد التجدد والاستمرار.
ولا عجب فالملائكة -وهم مخلوقون يتكلمون ويبصرون ويقومون بوظائف جليلة- يقول الله عنهم: "يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ" [الأنبياء:20] . فإذا كان هذا في حق هذه المخلوقات التي كلفت ببعض الوظائف فما ظنك بالجمادات؟! هي من باب أولى في ديمومة سجودها لله تعالى، ومنها الشمس، فهي في حالة سجود واستئذان دائمين في شروقها وغروبها.
فإن قلت: إن قوله في الحديث: "ثم تذهب تسجد" مشعر بأن هناك سجود غير السجود العام الذي دلّت عليه الآية؟!
فالجواب: هذا الذي ذُكر في الإيراد محتمل، والمخرج منه أن يقال:
إن مجرد غروب الشمس عن أعيننا في قطر من الأقطار هو في الوقت ذاته سجود لها، وإن كانت تظهر على آخرين، وهذا تصوره غير عسير -بحمد الله-، ونظيره ما يقال عن كسوف الشمس، فإنك تعلم -وفقك الله- أن الشمس قد تنكسف عن بلدٍ، بينما بلدان أخرى لا يحصل فيها كسوف، مع أن الأرض واحدة والشمس واحدة، فإذا كان هذا متصوراً في الأمور المحسوسة، فتصوره في الأمور الغيبية المعنوية من باب أولى.
الثاني: أن الشمس إنما هي -في هذا الكون العظيم- جرم صغير، فأينما سجدت فهي ساجدة تحت عرش الرب -عز وجل-.
هذا مبلغ علمي في هذه المسألة، وأرجو أن نتخلص بهذا الجواب -مع ما سأذكره لك لاحقاً- من هذا الإشكال، فإن انشرح صدرك لهذا الجواب فالحمد لله، وهذا هو المطلوب، وإلا فعلينا -جميعاً- أن نؤمن ونصدق وإن لم تدرك عقولنا الحقيقة، ونقول: صدق الله ورسوله، مبتعدين بذلك عن مسالك بعض الناس الذين جعلوا عقولهم حاكمة على النصوص، من أمثال المعتزلة أو من تأثر بمسلكهم، يطعنون في هذا الحديث بحجة أنه خبر آحاد!!
وما أعظم جناية هؤلاء على الشريعة! وإنني لأتعجب منهم هل أحاطت عقولهم بالغيب؟!