المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/تصحيح الأحاديث والآثار وتضعيفها
التاريخ 11/09/1425هـ
السؤال
وردت بعض الأحاديث في كتاب (هرمجدون) التي تتحدث عن موافقة يوم الجمعة للنصف من رمضان، فإنه ستحدث صيحة في رمضان، ومعمعة في شوال، وأشياء كثيرة، فما مدى صحة هذه الأحاديث؟ وما الموقف الصحيح تجاهها؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
أقول وبالله التوفيق:
لهذا الحديث ألفاظٌ متعدّدة، وروايات عِدّة، وكلّها لا يصحّ منها شيء.
1- فمنها حديث ابن مسعود - رضي الله عنه-: أخرجه نعيم بن حماد في الفتن (رقم 638) ، ومن طريقه الشاشي في مسنده (رقم 837) ، وأبو الشيخ في الفتن (كما في اللآلئ المصنوعة للسيوطي 2/386) .
وفي إسنادهم محمد بن ثابت بن أسلم البناني، وهو مختلفٌ فيه بين الضعف والضعف الشديد، وفي الإسناد إليه أيضًا من لا يُعتمد.
2- حديث فيروز الديلمي (وفي صحبته خلاف) : أخرجه الطبراني في الكبير (18/332) ، وأبو عَمرو الداني في السنن الواردة في الفتن (رقم 518) ، والجورقاني في الأباطيل والمناكير (رقم 468، 469) ، وابن الجوزي في الموضوعات (رقم 1687) .
وبيّن الجورقاني وابن الجوزي شدّة ضعفه، بل حكم عليه ابن الجوزي بالوضع.
3- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وله عنه طُرق:
أ- أخرجه نعيم بن حماد (رقم 628) ، ومن طريقه الحاكم في المستدرك (4/517-518) ، والجورقاني في الأباطيل (رقم 470) .
وفيه مسلمة بن علي، وبه ضعّفه الحاكم، وأنكره الجورقاني، وكذّبه ابن الجوزي- (3/461-462) ، وتعقبه الذهبي في تلخيص المستدرك بقوله عن مسلمة: "بل هو ساقطٌ متروك".
ب- أخرجه العقيلي في الضعفاء - في ترجمعة عبد الواحد بن قيس- (3/807 رقم 1014) ، وابن الجوزي في الموضوعات (رقم 1686) ؛ من طريق عنبسة بن أبي صغيرة، عن الأوزاعي عن عبد الواحد بن قيس عن أبي هريرة.
وعنبسة اتّهمه الذهبي، ودافع عنه ابن حجر (اللسان 6/242) ، وعبد الواحد لم يسمع من أبي هريرة، وهو مختلفٌ فيه بين تضعيف شديد وتوثيق.
ونكارة هذا الحديث لا تعدو أحدهما، وأظن المتّهم به عنبسة، كما مال إليه الذهبي.
ج- أخرجه الطبراني في الأوسط (رقم 516) من طريق نوح بن قيس عن البختري بن عبد الحميد عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة. وقال الطبراني عقبه: "لم يرو هذا الحديث عن شهر إلا البختري، تفرّد به نوح بن قيس".
والبختري- بالخاء المعجمة، أو المهملة- مجهول، وقد قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/210) : "لم أعرفه".
د- ورُوي موقوفًا على أبي هريرة: أخرجه نعيم بن حماد (رقم 645) ، عن شيخ من الكوفيين عن ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة.
وعلّقه الجورقاني في الأباطيل والمناكير (رقم 471) ، وابن الجوزي في الموضوعات (3/461) ، من طريق إسماعيل بن عياش عن ليث بن أبي سليم به.
وفي الإسناد الأول إبهامُ شيخ نُعَيم بن حماد، وما في ليث من ضعف الحفظ.
وفي الإسناد الثاني: فوق التعليق، أن حديث إسماعيل بن عياش عن غير الشاميين ضعيف، وليثٌ ليس شاميًّا.
مع نكارة المتن في كليهما.
4- حديث عبد الله بن عَمرو (وفيه جزء مرفوع وجزء موقوف عليه) : أخرجه نعيم بن حماد (رقم 631، 632، 986، 987) ، ومن طريقه الحاكم في المستدرك ساكتًا عليه دون تصحيح (4/502) .
فتعقّبه الذهبي بقوله عن رجال أحد طريقيه: "سنده ساقط، ومحمد أظنّه المصلوب".
قلت: وفي إسناده أبو يوسف الكوفي ثم المقدسي (انظر: الفتن لنعيم بن حماد رقم 599) ، لم أستطع تمييزه، ففيه جهالة عندي، مع نكارة حديثه.
وقد رُوي الحديث مرسلاً مقطوعًا على بعض التابعين، وهم:
1- سعيد بن المسيب مقطوعاً: أخرجه نعيم بن حماد (رقم 629) ، ولا يصحّ عنه.
2- شهر بن حوشب: أخرجه نعيم بن حماد (رقم 630) ، وأبو عَمرو الداني في السنن الواردة في الفتن (رقم 519) مرسلاً، وفي إسناده عنبسة بن عبد الرحمن بن عنبسة القرشي، وهو متروك متّهم بالوضع.
وأخرجه نعيم من حماد (رقم 652) مقطوعاً، ولا يصح عنه أيضاً.
3- مكحول الشامي مرسلاً: أخرجه نعيم بن حماد (رقم 626) عن رشدين بن سعد، عن ابن لهيعة، عن عبد الوهاب بن بخت، عن مكحول. ورشدين بن سعد وابن لهيعة فيهما ضعف مشهور، مع ضعف الإرسال من مكحول أيضاً.
4- وكثير بن مُرّة: أخرجه نعيم بن حماد (رقم 637، 647، 650، 653) .
5- وكعب الأحبار: أخرجه نعيم بن حماد (رقم 622، 643) .
فيبدو أن مرجع هذا الخبر أنه من الإسرائيليّات، بدليل ذكر كعب الأحبار له. ثم أخذه عنه الكذّابون والمغفّلون وركّبوا له الأسانيد السابقة.
ولذلك فقد تتابع العلماء على الحكم على هذا الحديث بالوضع، وأنه مكذوبٌ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ومن هؤلاء العلماء:
1- العقيلي في الضعفاء، حيث قال عقب أحد طرقه السابقة:
"ليس لهذا الحديث أصل من حديث ثقة، ولا من وجه يثبت".
2- والجورقاني في الأباطيل والمناكير.
3- وابن الجوزي حيث أورده في الموضوعات.
4- والذهبي (كما سبق عنه) ، وكما في الميزان (2/675) في ترجمة عبد الواحد بن قيس.
5- وابن القيّم في المنار المنيف (رقم 212) .
6- وعمر بن بدر الموصلي في المغني عن الحفظ والكتاب، كما في جُنّة المرتاب (رقم 95) .
7- وملا علي القاري في الأسرار المرفوعة (450) .
8- والعجلوني في كشف الخفاء (2/569) .
أمّا السيوطي فخالف في الحكم عليه بالوضع، ولم يُصرّح بقبوله، كما في اللآلئ المصنوعة (2/386-389) ، والنكت البديعات (رقم 271) ، وتابعه على ذلك ابن عراق- كعادته- في تنزيه الشريعة المرفوعة (2/347-348) .
والحديث واضح البطلان، ولذلك ضرب ابن القيم به وبأمثاله المثل على الأحاديث الظاهرة الكذب.
وما أحسن ما تعقِّب به الجورقاني بعض الطرق السابقة، حيث بيَّن عللها الإسناديّة، ثم أورد حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال:
"إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنّة، وغُلّقت أبواب النار، وصُفّدت الشياطين"، وهو حديث متفق على صحّته. ثم قال عقب هذا الحديث وحديثٍ آخر بمعناه: "وهذا الشهر شهر رمضان مخصوصٌ بالبركة والخير والرحمة، بَشّرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أُمته بهذه الفضائل التي ذكرها في هذا الحديث وغيره من الأحاديث الصِّحاح. فلا يجوز الذّهاب عن الحديث الصحيح إلى حديثٍ واهٍ باطل، ليس لسنده قِوام ولا لحقيقته نظام". (الأباطيل للجورقاني 2/88) .
وصدق (رحمه الله) وبَرَّ.
هذا والله أعلم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.