ولا يغير من حقيقة المعاملة وجود سلع غير مقصودة لا للبائع ولا للمشتري وإنما هي ذريعة لحصول النقد مقابل زيادة في الذمة، فالعبرة بالحقائق والمعاني لا بالصور والمباني. وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الحيل بقوله: "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل." رواه العكبري بإسناد حسن انظر إرواء الغليل (1535) .
ثالثاً: إن قول بعض الفقهاء المعاصرين بجواز هذه المعاملة اجتهاد منهم، وهم في ذلك مأجورون إن شاء الله، لكن ذلك لا يغير من حقيقة المعاملة شيئاً، وما كل مجتهد مصيب. فها هو الإمام الشافعي رحمه الله، الذي أطبقت الأمة على إمامته وعلمه وورعه، يرى جواز المعاملة التي تسمى العينة الثنائية، ولم يكن ذلك مانعاً لغيره من العلماء أن يقولوا بخلاف قوله ويمنعوا العينة الثنائية؛ لأنها حيلة على الربا. وهكذا القول في التورق المصرفي الذي لا يختلف في حقيقته عن العينة ولا يعدو أن يكون حيلة على الربا.
رابعاً: إذا كان الأخ السائل قد أخذ القرض بناء على الفتوى الصادرة بشأنه، فالأظهر أن عليه الوفاء بما ترتب عليه من التزام حتى لو تبين له حرمة هذه المعاملة لاحقاً؛ لأنه كان عند إنشائها يعتقد صحتها. لكن إن استطاع التعجيل بالوفاء وإقناع المصرف بإسقاط الزيادة لقاء التعجيل فيجب أن يبادر لذلك إن أمكن. كما يجب عليه من الآن فصاعداً أن يتجنب المعاملات المشبوهة وأن يتحرى لدينه أعظم مما يتحرى لدنياه، والله تعالى يقول: "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب" [الطلاق:2، 3] . والله الهادي إلى سواء السبيل.