وبقيت مسألة، وهي: وجود الكحول في المأكول والمشروب، فمن المعلوم أن الكحول مادة مسكرة أو مخدرة، وبالتالي فإذا وجدت في الأكل أو الشرب، وكانت مؤثرة فيه بمعنى أنه يترتب على التناول إسكار فالتناول في هذه الحالة حرام قطعاً؛ لأن علة تحريم الخمر، هي: الإسكار، وقد وجدت هنا، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
أما إذا كانت مادة الكحول الموجودة في المأكول أو المشروب قليلة ويسيرة، ولا يظهر أثرها، واستهلكت في المشروب ونحوه، فالصحيح أن هذه الكمية اليسيرة من الكحول لا أثر لها في تحريم هذا الطعام أو الشراب، فهو مثل النجاسة المستهلكة في الماء، فعلى القول الصحيح -إن شاء الله- أن هذه النجاسة ما لم يظهر أثرها في الماء، في طعمه، أو لونه، أو ريحه، فالماء باق على طهوريته قليلاً كان أو كثيراً، وفي (صحيح البخاري، ك72، ب12) – تعليقا- قَال أَبُو الدَّرْدَاء فِي الْمُرِي: ذَبَحَ الْخَمْرَ النِّينَانُ وَالشَّمْسُ"، والنينان: جمع نون، وهو: الحوت، والمري: أكلة تتخذ من السمك المملح، يوضع في الخمر ثم يعرّض للشمس فيتغير طعمه عن طعم الخمر، ومعنى قول أبي الدرداء هذا: أن الحوت لمّا ملِّح ووضع في الشمس أذهب الخمر فصار حلالاً، ومما يدل على عدم الحرمة هنا: أن الخمر إنما حرمت لوصف الإسكار الموجود فيها، فإذا انتفى هذا الوصف انتفت الحرمة.
ومما يشار إليه هنا أن البعض يظن أن المخلوط بالخمر حرام مطلقاً، سواء قلّت نسبة الخمر - بحيث لا تؤثر في المخلوط– أو كثرت، وظنوا أن ذلك هو معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-:"ما أسكر كثيره فقليله حرام"رواه أحمد (5648) واللفظ له، وابن ماجة (3392) ، والدارقطني (4/254) ، وهو صحيح (الإرواء برقم 2375) .