أنت؟ قال: فلان بن فلان، وفي هذا أكبر التمويه على هذه العملية الفدائية بحق، انظر ما رواه مسلم (1788) ، وأحمد في مسنده (33334) من حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-.
وهكذا كانت عادته عليه الصلاة والسلام في كل غزواته، أن يكثر من العيون التي تأتي له بالأخبار، حتى إنه أمر زيد بن ثابت ت-رضي الله عنه- أن يتعلَّم لغة يهود وكتابتهم، وقال له: "إني لا آمن يهوداً على كتابي"، فلم يمرَّ نصف شهر حتى تعلم لغتهم وكتابتهم، كما في الحديث الذي رواه الترمذي (2715) ، وأبو داود (3645) فكان يكتب إلى يهود، وإذا كتبوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ كتابهم، وفي هذا معرفة للعدو وتعرُّف على لغته ليمكن أيضاً الاطلاع على ما يكتبونه وما ينشرونه.
وسئل الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ عن الطلائع فقال: بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- طليعة. وكلُّ ما كان فيه قوة للمسلمين فله فضل كبير.
ولذلك نصَّ الفقهاء على أنه إذا عاقد الإمام واحداً من الكفار على أن يدلَّه على شيء من أسرار الكفار، أو أن يأتيه بخبر عنهم على أن يعطيه جعلاً على ذلك، فإنه يستحق هذه الجعالة. وهذا كله يدل على أصل عمل الاستخبارات في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومجال ذلك العمل ونطاقه. ولا يتنافى ذلك مع قوله تعالى: "ولا تجسسوا" [الحجرات:12] ؛ لأن النهي هنا عن البحث عن عيوب الناس من المسلمين، وعن المستور من أمورهم، وتتبع عوراتهم حتى لا يظهر على ما ستره الله منها، والأحاديث الشريفة توضح ذلك وتبينه. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.