على أن لأهل العلم في تحديد جزيرة العرب المقصودة في الحديث كلاماً طويلاً وخلافاً مشهوراً بعد اتفاقهم على تحريم استيطانهم لحرم مكة.
فذهب أحمد إلى أن جزيرة العرب هي المدينة وما والاها. قال في المغني 13/243: (يعني أن الممنوع من سكنى الكفار به المدينةُ وما والاها، وهو مكة واليمامة وخيبر والينبع وفدك ومخاليفها وما والاها. وهذا قول الشافعي؛ لأنهم لم يُجلوا من تيماء، ولا من اليمن) . ثم قال ـ أي ابن قدامة: (فكأن جزيرة العرب في تلك الأحاديث أُريد بها الحجاز، وإنما سمي حجازاً لأنه حجز بين تهامة ونجد. ولا يمنعون من أطراف الحجاز كتيماء وفيد ـ بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة ـ ونحوهما؛ لأن عمر لم يمنعهم من ذلك) أهـ.
كما أن دلالة الحديث تحتمل قصر المنع على استيطان جزيرة العرب، لا إقامتهم فيها للعمل المؤقت أو التجارة، كما هو شأن الكفار الوافدين.
والظاهر أن الأمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب مقيدٌ بحالة عدم الحاجة إليهم في عمل من الأعمال التي لا يجيدها غيرهم، أو لا يُستغنى فيها عن خبراتهم.
وقد أفتى بعض مشايخنا بجواز استقدام الكفار عند الحاجة، وقصروا تحريم استقدامهم فيما إذا أمكن الاستغناء عنهم.
والمقصود أن الأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب لا يقضي بانتقاض عهدهم وأمانهم إذا دخلوها، بل هو عقد ماضٍ محترم، فدماؤهم معصومة، وأموالهم معصومة، ولا يجوز الاعتداء عليهم، ولا إيذاؤهم.
ومع ذلك ينبغي ألا يُترك في جزيرة العرب من هؤلاء إلا من تدعو الحاجة والمصلحة إلى بقائه فيها، وأنصح القارئ بمراجعة كتاب أسئلة جريئة المنشور في موقع الإسلام اليوم، ففيه تفصيل مفيد ومهم..
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.