وعلى هذا، فإن وفت فالحمد لله، وإلا ذهب الدين على صاحبه، وليس له مطالبة الورثة بسداد الدين؛ لأن الدين إنما كان على مورثهم، وأما هم فلم تُشغل ذممهم بشيء من الدين، ما لم يبق من تركته شيء، فإنه يجب عليهم أن يؤدوه إلى الدائن؛ لأن حقه قد تعلق به.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء، فعلينا قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته" رواه البخاري (2297) وغيره، واللفظ له، ووجه الاستدلال أنه - صلى الله عليه وسلم- جعل ما يتركه الميت من الأموال لورثته "ومن ترك مالاً فلورثته"، ولم يجعل وفاء ما وجب عليه من دين لا وفاء له لم يجعله على ورثته" فمن مات وعليه دين، ولم يترك وفاءً فعلينا قضاؤه".
ويظهر من سؤالك أن الدين أكثر من التركة، ولذا يجب عليكم أن تبيعوا كل التركة لسداد الدين؛ لأنها قد تعلق بها حق الدائن، فهو أحق الناس بها، وأولى بها منكم، إلا إذا رضي أن تبقى لكم ويستوفي هو حقه من ريعها.
فإن فضل من الدين شيءٌ عجزت عن وفائه التركة، فليس عليكم أن تؤدوه من أموالكم؛ لأن الدين - كما قلت سابقاً- متعلق بذمة ميتكم فقط، ولا يلحق ذممكم منها شيء البتة، بل يُؤدى ما بقي من الدين من صدقات بيت مال المسلمين؛ لدلالة الحديث السابق.
أما إذا رغبتم أن تستبقوا بعض ما تركه لكم ميتكم من مؤسسة لقطع غيار السيارات وفيلا تسكنونها، أو غيرها من مال التركة، فإنه يجب عليكم أن تؤدوا مثل ثمنها- كما هو تقديره في السوق- للدائن؛ لأن الدائن أحق بها منكم.
وليس عليكم أن تشقوا على أنفسكم، فتتكلفوا سداد الدين من خالص أموالكم التي هي من غير التركة؛ إذ ليس له الحق أن يطالبكم بشيء هو أصلاً ليس متعلقاً بذمتكم.