" والذي أقول في هذا الباب أنه كالاختلاف في الأذان، وأنه كله مباح لا حرج في شيء منه وكلَّ - أي كل واحد من هؤلاء الصحابة - أخذه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أخذوا الوضوء واحدة واثنتين وثلاثاً والقراءات في الصلوات وعدد ركعات قيام الليل، الاختلاف عنه في ذلك اختلاف إباحة وتوسعة" أهـ. كلامه - رحمه الله- وهو في غاية النفاسة. والمسلم اللبيب يدرك أن اجتماع الصف، ووحدة كلمة المسلمين من المقاصد العظيمة، والواجبات الكبيرة في الشرع، يقول - سبحانه وتعالى -:" شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه، كبر على المشركين ما تدعوهم إليه.. الآية. وليس من الحكمة ولا من الشرع في شيء أن يقدم المسنون على الواجب، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كما في " مجموع الفتاوى " 22/407 " لما تكلَّم عن مسألة الجهر بالبسملة في الصلاة: " ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحبات؛ لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا، كما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - تغيير بناء البيت لما في إبقائه من تأليف القلوب، وكما أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه متماً وقال: الخلاف شر " أهـ، وقال في موضع آخر 22/437: " ويسوغ أيضاً أن يترك الإنسان الأفضل لتأليف القلوب واجتماع الكلمة؛ خوفاً من التنفير عما يصلح ... " ثم ذكر المثالين السابقين في هدم الكعبة، وقصة ابن مسعود. فأوصي الإخوة جميعاً أن يتعاهدوا هذا الأصل، وأن يسدوا باب التفرق، وأن لا يدعوا فرصة للفرقة التي قد تقع أسبابها أحياناً من بعض الغيورين، والمعظمين للسنة، بحجة الاتباع مع أن الحرص على جمع الكلمة، ودفع أسباب الخلاف - ما أمكن ذلك - من أعظم آثار الاتباع، بل هذا من أصول الدين ومخالفة دين المشركين، وأوصي أحبتي الكرام بوصية الله - تعالى - حيث يقول: "