غير أن شريعتنا السمحة التي جاءت برفع الحرج، قد ورد فيها ما يسوّغ الجمع عند الحاجة في الحضر ومن غير مطر أو سفر، ما لم يتخذ ذلك عادة؛ فقد أخرج مسلم (705) ، وغيره عن عبد الله بن شقيق-رحمه الله تعالى- قال: "خطبنا ابن عباس-رضي الله تعالى عنهما - يوماً بعد العصر، حتى غربت الشمس وبدت النجوم، وجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة. قال: فجاءه رجل من بني تميم، لا يفتر ولا ينثني: الصلاة الصلاة. فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة لا أم لك؟! ثم قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة فسألته، فصدق مقالته.
وعند مسلم أيضا (705) من حديث سعيد بن جبير، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر. قيل لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته. وانظر صحيح البخاري (562،543) . قال النووي-رحمه الله تعالى-: (وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر، ويؤيده ظاهر قول ابن عباس -رضي الله عنهما-: أراد ألا يحرج أمته، فلم يعلله بمرض ولا غيره والله أعلم) ، شرح النووي على مسلم (ج 3- ص 1) .