وقد احتج بالروايات المتقدمة الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وأبو حنيفة، وصاحباه، فقالوا: لا يجوز الجمع إلا في عرفة ومزدلفة، وحملوا الروايات الأخرى الدالة على مشروعية الجمع على الجمع الصوري الذي أشار إليه السائل، وهو تأخير الصلاة الأولى إلى آخر وقتها، وتقديم الصلاة الأخرى إلى أول وقتها، وهذا القول ضعيف من جهة الدليل؛ وذلك لورود النصوص الثابتة، والصريحة، والدالة على مشروعية الجمع في السفر الجمع الحقيقي لا الصوري - وذلك بأداء إحدى الصلاتين في وقت الأخرى، ومن تلك النصوص:
1. ما رواه أنس - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل، صلى الظهر ثم ركب) متفق عليه (صحيح البخاري رقم 112، وصحيح مسلم رقم 704) .
2. ما رواه البخاري في صحيحه (1091) من طريق سالم، ومسلم في صحيحه (703) من طريق نافع، أن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان إذا جدَّ به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق، ويقول: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء) .
هذه بعض الأحاديث الصحيحة الدالة بوضوح على مشروعية الجمع، وأما حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - فقد أجاب عنه جمهور أهل العلم بعدة أجوبة، منها:
أن ابن مسعود - رضي الله عنه - قد حدث بما رأى وحفظ، ومن حفظ - كأنس وابن عمر - رضي الله عنهما - حجة على من لم يحفظ، والله أعلم.