أما وقت الأفضلية، فيسن أن تُصلى الفجر بغَلَس، يعني: في أول وقتها، قبل زوال الظُلْمة، ويدل لهذا حديث عائشة – رضي الله عنها- قالت: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي –صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر، متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يعرفهن أحد من الغلس" متفق عليه في صحيحي البخاري (578) ، ومسلم (645) ، وهذا القول -وهو استحباب المبادرة بصلاة الفجر في أول الوقت- هو مذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، كما حكاه عنهم في المغني (2/44) ، ثم قال: (ابن عبد البر: صح عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وعن أبي بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم- أنهم كانوا يغلِّسون، ومحالٌ أن يتركوا الأفضل، ويأتوا الدون؛ وهم النهاية في إتيان الفضائل) ا. هـ.

وذهب أبو حنيفة إلى أن الإسفار بها أفضل، مستدلاً بحديث رافع بن خديج – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "أصبحوا بالصبح؛ فإنه أعظم لأجوركم"، وفي لفظ: "فإنه أعظم للأجر" أخرجه أحمد (4/140) ، وأبو داود (424) ، وابن ماجة (672) ، والترمذي (154) ، لكن بلفظ: (أسفروا بالفجر) ، وهو حديث صحيح، كما صرح به ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2512) ، وابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (22/97) ، ثم أجاب عنه بجوابين: أحدهما: أنه أراد الإسفار، بالخروج منها، أي: أطيلوا القراءة حتى تخرجوا منها مسفرين.

والوجه الثاني: أنه أراد أن يتبين الفجر ويظهر، فلا يصلي مع غلبة الظن؛ فإن النبي – صلى الله عليه وسلم- كان يصلي بعد التبين إلا يوم مزدلفة، فإنه قدمها- ذلك اليوم على عادته-، ويدل على الجواب الأول الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية: حديث أبي برزة الأسلمي –رضي الله عنه-قال: (وكان رسول الله –صلى لله عليه وسلم- ينفتل من صلاة الغداة، يعني: الفجر حين يعرف الرجل جليسه، ويقرأ بالستين إلى المائة) أخرجه البخاري

(547) ، ومسلم (647) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015