الثالث: أكل لحم الجزور، فإذا أكل الإنسان من لحم الجزور، الناقة أو الجمل، فإنه ينتقض وضوؤه سواء كان نيئاً أو مطبوخاً، لأنه ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث جابر بن سمرة، أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال:"إن شئت". فقال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال:"نعم" مسلم (360) ، فكونه -صلى الله عليه وسلم- يجعل الوضوء من لحم الغنم راجعاً إلى مشيئة الإنسان، دليل على أن الوضوء من لحم الإبل ليس براجع إلى مشيئة الإنسان، وأنه لا بد منه، وعلى هذا فيجب الوضوء من لحم الإبل إذا أكله الإنسان نيئاً أو مطبوخاً، ولا فرق بين اللحم الأحمر واللحم غير الأحمر، فينقض الوضوء أكل الكرش والأمعاء والكبد والقلب والشحم وغير ذلك، وجميع أجزاء البعير ناقض للوضوء، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يُفصل وهو يعلم أن الناس يأكلون من هذا ومن هذا، ولو كان الحكم يختلف لكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبينه للناس حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم، ثم إننا لا نعلم في الشريعة الإسلامية حيواناً يختلف حكمه بالنسبة لأجزائه، فالحيوان إما حلال أو حرام، وإما موجب للوضوء أو غير موجب، وأما أن يكون بعضه له حكم وبعضه له حكم فهذا لا يُعرف في الشريعة الإسلامية، وإن كان معروفاً في شريعة اليهود كما قال الله تعالى:"وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ" [الأنعام: 146] ، ولهذا أجمع العلماء على أن شحم الخنزير محرم، مع أن الله تعالى لم يذكر في القرآن إلا اللحم، فقال تعالى:"حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به" [المائدة: 3] ولا أعلم خلافاً بين أهل العلم في أن شحم الخنزير محرم، وعلى هذا فنقول: اللحم المذكور في الحديث بالنسبة للإبل يدخل فيه الشحم والأمعاء والكرش وغيرها.

[مجموع فتاوى ابن عثيمين -رحمه الله- (11/195-197) ] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015