المجيب د. عثمان بن جمعة عثمان ضميرية
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
أصول الفقه /السياسة الشرعية
التاريخ 22/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل من السائغ مقارنة بيعة النساء للرسول صلى الله عليه وسلم- بانتخابات النساء في وقتنا الحاضر؟ ولماذا؟ وهل بايعنه نساء الخلفاء الراشدين؟ ولماذا؟ وما مفهوم البيعة؟ وفقكم الله ورعاكم ونفع بعلمكم عموم المسلمين.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
- تطلق البيعة في اللغة العربية على: المبايعة على الطاعة. وتطلق على: الصفقة من صفقات البيع , قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) [الفتح: 10] . وفي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمجاشع حينما سأله: عَلَامَ تُبَايِعُنَا؟ قال: "عَلَى الإسلامِ والجهادِ". أخرجه مسلم (1863) . وهو عبارة عن المعاقدة والمعاهدة.
- والبيعة اصطلاحًا, كما عرَّفها ابن خلدون في مقدمته: (العهد على الطاعة) . كأن المبايع يعاهد أميره على أن يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين, لا ينازعه في شيء من ذلك, ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره, وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيدًا للعهد, فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري, وصارت البيعة تقترن بالمصافحة بالأيدي. هذا مدلولها في اللغة ومعهود الشرع, وهو المراد في الحديث في بيعة النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة العقبة, وعند الشجرة, وحيثما ورد هذا اللفظ. ومنه: بيعة الخلفاء.
- وقريب من هذا المعنى: (العهد) . وهو في اللغة: كل ما عوهد الله عليه, وكل ما بين العباد من المواثيق. والعهد: الموثق واليمين يحلف بها الرجل. تقول: علي عهد الله وميثاقه, وأخذت عليه عهد الله وميثاقه. فالبيعة نوع من العهود.
أدلة مشروعية البيعة:
- مبايعة المسلمين للرسول -صلى الله عليه وسلم- إنما هي مبايعة لله تبارك وتعالى, وذلك كما في قوله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح: 10] . والمراد بالمبايعة في الآية بيعة الرضوان بالحديبية. وفي صحيح مسلم (1856) ، عن جابر، رضي الله عنه، قال: كنا يوم الحديبية ألفًا وأربعمائة, فبايعناه، وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة. وقال: بايعناه على ألَّا نَفِرَّ, ولم نبايعه على الموت. وفي بيعة العقبة الأولى بايع المسلمون الرسول -صلى الله عليه وسلم-، على بيعة النساء قبل أن تفرض عليهم الحرب. انظر صحيح البخاري (18) وصحيح مسلم (1709) .
- أما بيعة النساء فقد بينت في قول الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيم) [الممتحنة: 12] . ولما فتح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة جاءه نساء أهلها يبايعنه فأخذ عليهن: أن لا يشركن.. إلخ. ففي صحيح البخاري (4891) وصحيح مسلم (1866) ، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُمْتَحَنَّ بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ) إلى آخر الآية. قالت عائشة: فمن أقر بهذا من المؤمنات فقد أقر بالمحنة. كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أقررن بذلك من قولهن , قال لهن: "انْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ". ولا والله، ما مسَّت يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَدَ امرأة قَطُّ, غير أنه بايعهن بالكلام. قالت عائشة، رضي الله عنها: والله ما أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على النساء قَطُّ إلا بما أمره الله عز وجل, وما مسَّت كفُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كفَّ امرأة قط, وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن: "قَدْ بَايَعْتُكُنَّ". كلامًا. (أي دون مصافحة) ، وقالت أم عطية، رضي الله عنها: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ جَمَعَ نِسَاءَ الْأَنْصَارِ فِي بَيْتٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِنَّ فَرَدَدْنَ السَّلَامَ، فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَيْكُنَّ. فَقُلْنَ: مَرْحَبًا بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَرَسُولِهِ. فَقَالَ: تُبَايِعْنَ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقْنَ وَلَا تَزْنِينَ وَلَا تَقْتُلْنَ أَوْلَادَكُنَّ وَلَا تَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ تَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُنَّ وَأَرْجُلِكُنَّ وَلَا تَعْصِينَ فِي مَعْرُوفٍ. فَقُلْنَ: نَعَمْ. فَمَدَّ عُمَرُ يَدَهُ مِنْ خَارِجِ الْبَابِ، وَمَدَدْنَ أَيْدِيَهُنَّ مِنْ دَاخِلٍ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ. أخرجه أحمد (27309) وأبو داود (1139) . فبيعة رجال المسلمين للرسول -صلى الله عليه وسلم-، كانت بالمصافحة مع الكلام. أما بيعة نسائهم له -صلى الله عليه وسلم- فكانت بالكلام من غير مصافحة. قال النووي في شرح مسلم: إن بيعة النساء بالكلام من غير أخذ كف, وبيعة الرجال بأخذ الكف مع الكلام. وحين تخوف عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الاختلاف بين المسلمين قال لأبي بكر، رضي الله عنه: ابْسُطْ يَدَكَ يا أبا بكر. فبسطها, فبايعه, ثم بايعه المهاجرون, ثم بايعه الأنصار" أ. هـ. ومن هذا نرى أن البيعة ليست مرادفة للانتخابات، فالمسلمون رجالاً ونساء لم ينتخبوا النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما آمنوا بنبوته ورسالته كما آمنوا بالله الذي أرسله، ثم أخذ عليهم العهد، فبايعوه على ذلك كما رأينا في النصوص السابقة. ولا أعلم أن النساء كنَّ يبايعن الخلفاء الراشدين بذلك المعنى، إذ لم يكن ذلك من شأنهن. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.