المجيب د. حسن بن صالح الحميد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
أصول الفقه /السياسة الشرعية
التاريخ 26/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله لكم في جهدكم، وجعله في ميزان حسناتكم، ووفقكم الله للعمل على نصرة الإسلام والمسلمين.
أريد أن أسأل فضيلتكم: ما الفرق بين بيعة العقبة الأولى والثانية وبيعة الرضوان؟ ولماذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عمه العباس - رضي الله عنه- أن ينادي في غزوة حنين بـ (يا أصحاب بيعة العقبة) ؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
الفرق بين بيعة العقبة الأولى والثانية: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عرض الإسلام على بعض الحجاج القادمين من المدينة فأسلم منهم ستة رجال، فلما كان العام الذي يليه قدم هؤلاء إلى الحج مع قومهم، وكان قد أسلم معهم جماعة في المدينة، فالتقوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند العقبة وبايعوه ببيعة سميت بيعة النساء؛ لأنها نفس بيعة النساء التي أخذها النبي - صلى الله عليه وسلم- على النساء بعد الفتح من حيث النص.
وهذا نص البيعة كما ذكرها عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - وكان ممن شهدها قال عبادة: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألاّ نشرك بالله شيئاً, ولا نسرق, ولا نزني, ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإن وفيتم فلكم الجنة, وإن غشيتم من ذلك شيئاً فأمركم إلى الله إن شاء عذب وان شاء غفر" انظر البخاري (18) ، ومسلم (1709) ، وأما تسميتها ببيعة العقبة فلأنها كانت عند العقبة بمنى وسميت بها, وكانت أول بيعة بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبين الأنصار ولهذا سميت الأولى.
أما بيعة العقبة الثانية فقد كانت في العام الذي يليه، حيث قدم أهل المدينة إلى الحج وفيهم عدد كبير من المسلمين، فواعدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند العقبة ثاني أيام التشريق، وكانوا سبعين رجلاً، واختار منهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اثني عشر نقيبا يمثلونهم، فبايعوه على حرب الأحمر والأسود، وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وأثرة عليهم، وألا ينازعوا الأمر أهله، وأن يقولوا كلمة الحق أينما كانوا، وألا يخافوا في الله لومة لائم.
هذه هي الفروق بين بيعة العقبة الأولى والثانية باختصار، ولمزيد من التوسع انظر كتاب البداية والنهاية لابن كثير ج3/ص147 وما بعدها
أما بالنسبة لبيعة الرضوان
ففي شهر ذي القعدة من السنة السادسة من الهجرة خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يريدون العمرة، فلما وصلوا إلى الحديبية في طريقهم إلى مكة، وكانوا محرمين ملبين بالعمرة، بعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن عفان - رضي الله عنه - سفيراً إلى قريش لبيان هدفه من المجيء، وأنه لا يريد قتالاً، وإنما جاء للعمرة، فاحتجزت قريشٌ عثمان، وأشيع بين الناس أنه قُتل، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أصحابه إلى البيعة، فقاموا إليه ملبين دعوته، ومبايعين له على الجهاد وعدم الفرار، وبايعته جماعة على الموت، وكان أول من بايعه أبو سنان الأسدي، وبايعه سلمة بن الأكوع على الموت ثلاث مرات، في أول الناس، ووسطهم، وآخرهم، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد نفسه، وقال: هذه عن عثمان، ولم يتخلف عن هذه البيعة إلا رجل من المنافقين، يقال له: جد بن قيس.
وقد أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- هذه البيعة تحت شجرة بالحديبية، وقد أنزل فيها قوله تعالى: "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة" [الفتح: 18] ،ومن ذلك سميت بيعة الرضوان، وفيه دلالة على صحة إيمان الذين بايعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- بيعة الرضوان بالحديبية، وصدق بصائرهم, وأنهم كانوا مؤمنين على الحقيقة أولياء لله ; إذ غير جائز أن يخبر الله برضاه عن قوم بأعيانهم، إلا وباطنهم كظاهرهم في صحة البصيرة، وصدق الإيمان, وقد أكد ذلك بقوله تعالى: "فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم" [الفتح: 18] , وهذا يدل على أن التوفيق يصحب صدق النية,
أما بالنسبة لعددهم، فيروى عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أنهم: "كانوا ألفين وخمسمائة", وعن جابر - رضي الله عنهما- أنهم: "ألف وخمسمائة".
وتعتبر بيعة الرضوان فتحاً للمسلمين، ففي صحيح البخاري عن البراء رضي الله عنه قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية.
وذلك لما ترتب عليها من مصالح وفوائد، فعندما علمت قريش بتلك البيعة، ومدى صلابة المسلمين، وقوتهم، وصبرهم، وثباتهم مع قائدهم صلى الله عليه وسلم، أرسلت إليهم للتفاوض معهم، وقبول الصلح.
ومما يستفاد من هذه الحادثة قوة العلاقة بين القائد وأتباعه؛ حتى إنهم بايعوا على الموت، إضافة إلى سرعة إجابة طلب القائد وعدم التردد، وأن الصدق في الإيمان سبيل إلى تحصيل رضا الرحمن، وتأييده.
أما يوم حنين فلم يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عمه أن ينادي يا أصحاب العقبة، وإنما أمره أن ينادي يا أصحاب السمرة - أي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان وفي رواية يا أصحاب الحديبية, وناداهم بذلك لأنهم بايعوه فيها على الموت وعدم الفرار، ففيه حث لهم على الثبات والقتال حتى الموت.
والله أعلم.