المجيب وليد بن إبراهيم العجاجي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه /الفتوى والإفتاء
التاريخ 21/04/1425هـ
السؤال
ماذا يفعل العامي إذا لم يجد في البلد سوى مجتهد أو مفتٍ فاسقٍ؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم" [البقرة: 32] ، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الكلام في المسألة مبني على اشتراط العدالة في المفتي، والعدالة كما يفسرها كثير من أهل العلم كأبي العباس بن سريج وغيره: (أن يكون حراً مسلماً بالغاً عاقلاً، غير مرتكب لكبيرة، ولا مصر على صغيرة، ولا يكون تاركاً للمروءة في غالب العادة) .
وبعض العلماء يفرقون بين المجتهد والمفتي من ناحية اشتراط العدالة فيهما أولا، فلا يشترطونها في المجتهد، ويشترطونها في المفتي، وليس معنى ذلك أن المفتي لا يكون مجتهداً، بل هو مجتهد وعدل، أما المجتهد الفاسق فلا تتعدى فتياه إلى غيره؛ لأنه ليس بأمين على ما يقول، والفتوى أمانة، وحكى بعضهم الإجماع على ذلك، وفيه نظر.
والذي أراه هنا الأخذ بقول ابن القيم - رحمه الله تعالى- في هذه المسألة ومراعاته للمصلحة، وأما فُتيا الفاسق فإن أفتى غيره لم تقبل فتواه، وليس للمستفتي أن يستفتيه، وله أن يعمل بفتوى نفسه، ولا يجب عليه أن يفتي غيره.
ثم قال ابن القيم بجواز استفتاء الفاسق، لكنه استثنى المعلن فسقه، وعلق الحكم على قبول فتواه على اختلاف الأمكنة والأزمنة والقدرة والعجز؛ فقال رحمه الله كلاماً نفيساً أسوقه لك، يقول ابن القيم رحمه الله: (إلا أن يكون معلناً بفسقه، داعياً إلى بدعته، فحكم استفتائه حكم إمامته وشهادته، وهذا يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة والقدرة والعجز، فالواجب شيء، والواقع شيء، والفقيه من يطبق بين الواقع والواجب، وينفذ الواجب بحسب استطاعته، لا من يلقي العداوة بين الواجب والواقع، فلكل زمان حكم، والناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم، وإذا عم الفسوق وغلب على أهل الأرض فلو منعت إمامة الفساق وشهاداتهم وأحكامهم، وفتاويهم، وولاياتهم؛ لعطلت الأحكام، وفسد نظام الخلق، وبطلت أكثر الحقوق، ومع هذا فالواجب اعتبار الأصلح فالأصلح، وهذا عند القدرة والاختيار، وأما عند الضرورة والغلبة بالباطل فليس إلا الاصطبار والقيام بأضعف مراتب الإنكار) . والله أعلم.