الأصوب في منهج الإفتاء

المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

أصول الفقه /الفتوى والإفتاء

التاريخ 11/6/1424هـ

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا معلم تربية إسلامية في إحدى المدارس وأحمل شهادة بكالوريوس شريعة / الفقه وأصوله، وأتعرض لكثير من الأسئلة الفقهية فأجيب بما أعرف، ونحن نعلم بأن الفقهاء رحمهم الله قد اختلفوا في كثير من المسائل الفقهية وهذا من رحمة الله تعالى بالمسلمين، أرجو مساعدتكم في أن تعلموني طريق الصواب في عملية الإفتاء، هل أتبع مذهباً معيناً وأفتي به؟ أم أختار في كل مسألة المذهب الأسهل وأجيب به؟

ثم أرجو منكم أن تدلوني على أسماء أفضل الكتب في الفقه والعقيدة والتفسير، وجزاكم الله كل خير، وجعل هذا العمل في ميزان حسناتكم يوم القيامة إنه سميع مجيب الدعوات.

الجواب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإذا عُرِضَ على طالب العلم سؤالٌ عن حكم شرعي، فإن كان يعرف الجواب مسبقاً، فإنه يفتي السائل بما يدين لله بأنه هو الحق، والمعتمد في ذلك هو الأدلة الشرعية، فما وافق الأدلة الشرعية وجب الأخذ به بغض النظر عن موافقة الحكم لمذهب إمام معين؛ لأن الله تعبدنا باتباع الأدلة ولم يتعبدنا باتباع الأشخاص، وما خالف الأدلة الشرعية وجب طرحه؛ لأنه قول فاسد فلا اعتبار له البتة. أما إذا كان طالب العلم لا يعرف جواب المسألة، فإن عليه أن يبحث عنه فيما كتبه أهل العلم حول المسألة، وليس المراد من هذا البحث معرفة رأي مذهب معين أو إمام معين ليقلَّده ويفتي به، ولكن المراد معرفة كلام أهل العلم في المسألة والاطلاع على ما استدلوا به والنظر فيما يعرض لهذه الأدلة من مناقشات واعتراضات من أجل أن يأخذ الباحث الحكم الذي تعضده الأدلة السالمة من الاعتراضات. وينبغي على طالب العلم - مع ما تقدم- ألّا يغفل عن سؤال العلماء المشهود لهم بالعلم والصلاح عن حكم المسألة والاستنارة بما يقررونه، مع الحرص على معرفة الدليل الدال على الحكم، ومعرفة الدليل أمرٌ في غاية الأهمية؛ لأن الغرض من السؤال ليس معرفة الحكم فحسب، وإنما الاستفادة من طريقة أهل العلم في الحكم على المسائل والحوادث. وإذا لم يتبين لك الحق في المسألة أو تعارضت لديك الأدلة ولم تستطع الترجيح بينها، فعليك أن تعتذر عن الجواب؛ لأن الذي يجيب إنما هو العالم بالحكم، أما غير العالم ففرضه أن يقول لا أدري، وهي نصف العلم كما قيل، ولا عيب فيها، فقد قالها علماء الأمة وأئمتها من الصحابة ومن بعدهم، وهاهو الإمام مالك إمام دار الهجرة سئل عن أربعين مسألة، فأجاب في أربع منها، وقال في ستٍ وثلاثين: لا أدري. أما مسألة الالتزام بمذهب معين للعمل والإفتاء به، فهي مسألة طال فيها الكلام قديماً وحديثاً، والناس فيها طرفان ووسط، فمنهم من يلزم الناس باتباع مذهب إمام معين ولا يسوّغ الخروج عنه إلى مذهب غيره، ومنهم من يحرّم هذا الأمر ويشنِّع على من يقول به، وهناك من توسط في الأمر فجعله جائزاً في حق من لم يستطع النظر في الأدلة من عامة الناس، وقيل هذا في حق عامة الناس لأنهم لا يستطيعون النظر والاجتهاد ومن أجل ألاّ يختار أحدهم الأسهل والأهون من أقوال أهل العلم من المذاهب المختلفة، أما طلاب العلم والقادرون على النظر في الأدلة والاجتهاد في النوازل والحوادث ولو بالاجتهاد الجزئي فإن الواجب عليهم النظر في الأدلة وترجيح ما وافق الدليل؛ لأن الواجب على جميع المكلفين معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها، ولكن تُرك هذا الأمر في حق عامة الناس لعدم قدرتهم عليه؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول:" لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" [البقرة: 286] ، فيبقى الأمر على ما هو عليه فيمن عداهم من أهل العلم وطلابه. أما ما ذكرته من الإفتاء بأسهل المذاهب في المسألة من أقوال أهل العلم، فإن هذا الأمر لا يستقيم إطلاقه على كل حال، بل عليك أن تجعل الحاكم في ذلك الأدلة الشرعية، فإن ألزمت الأدلة الشرعية بحكم معين في المسألة فعليك الإفتاء به سواءً أكان هو الأسهل أم الأصعب، أما إذا كان في الأمر سعةٌ فعليك الأخذ بالأسهل؛ اقتداءً بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، فإنه " ما خير بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه " (متفق عليه، رواه البخاري، كتاب: المناقب، باب: صفة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث:3560، ومسلم، كتاب: الفضائل، باب: مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام واختياره من المباح أسهله، رقم الحديث:6045) .أما أفضل الكتب في الفقه والعقيدة والتفسير، فكتب أهل العلم المشهود لهم بسعة العلم وصلاح المعتقد كلها فيها خير عظيم ونفع عميم، ولكن أشير إلى أهم هذه الكتب في الفنون التي سألت عنها: أولاً: العقيدة، وعليك الاهتمام بالكتب التي ألفها أصحاب المعتقد السليم الموافق لما جاء في الكتاب والسنة، ومن أهمها:

(1) كتب شيخ الإسلام ابن تيمية (ت:728هـ) ، وتلميذه ابن القيم (751هـ) فهي من أنفع الكتب وأكثرها فائدة، وأبعدها عن البدع ومحدثات الأمور.

(2) شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي.

ثانياً: التفسير، وعليك بكتب التفسير بالمأثور، وهي التي تهتم بتفسير القرآن الكريم بالقرآن والسنة وأقوال الصحابة والتابعين، مع العناية بالكتب المهتمة باستنباط الأحكام المختلفة من نصوص القرآن الكريم، ومن أهمها:

(1) الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (ت:671هـ) .

(2) تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء إسماعيل ابن كثير (ت:774هـ) .

(3) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لمحمد الأمين الشنقيطي (ت:1392هـ) .

ثالثاً: الفقه، وأحسن الكتب في هذا العلم ما كان صاحبه مبتعداً عن التعصب

والتقليد، مهتماً بالدليل والتأصيل، ومن أهم هذه الكتب:

(1) المغني، لموفق الدين ابن قدامة الحنبلي (ت:620هـ) .

(2) المجموع شرح المهذب، لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي (676هـ) ، والإمام

النووي لم يكمل هذا الشرح، وإنما وصل إلى كتاب الربا من المتن، ثم أكمل

الكتاب غيره.

(3) الذخيرة، لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي (684هـ) .والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015