المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه /الاجتهاد والتقليد
التاريخ 7/2/1425هـ
السؤال
قبل أيام كنت أصلي جنب رجل مسلم، وكان يضع يده على بطنه، فقلت له: يا أخي من السنة أن تضع يدك على صدرك، فرد علي قائلاً: أنا حنفي، فسكت عنه. وسمعت بعد ذلك أن الرجل العامي يجوز له؛ بل يجب عليه أن يقلد إماماً ويتبعه في شيء. فهل هذا الكلام صحيح لكي أعتذر للرجل؟ جزاكم الله عني وعن الإسلام خير الجزاء. وبارك الله فيكم. والسلام.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مسألة وضع اليدين في الصلاة من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم - وهي من الأفعال التي تسن في الصلاة، ولم يقل أحدٌ من العلماء بوجوب شيءٍ في ذلك، فقال بعضهم بوضع اليدين على الصدر كما هو مذهب الشافعية ورواية عن أحمد، ومنهم من قال بوضعهما أسفل من السرة كما هو مذهب أبي حنيفة، ومنهم من قال بإرسالهما كما هو مذهب مالك، وذهب بعضهم إلى أن المصلي مخير بين الوضع والإرسال وهو رواية عن أحمد.
والذي تدل عليه السنة وتشهد له الأحاديث والآثار هو: وضع اليدين على الصدر؛ لما روى أبو بكر بن خزيمة في صحيحه (479) بسنده عن وائل بن حجر-رضي الله عنه- أنه قال::"صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره".
أما مسألة التزام عوام الناس بمذهب إمامٍ معين للعمل به وعدم الخروج عنه، فهي من المسائل التي طال فيها الكلام قديماً وحديثاً، والناس فيها طرفان ووسط؛ فمنهم من يلزم الناس باتباع مذهب إمام معين ولا يسوّغ الخروج عنه إلى مذهب غيره مهما كان السبب الداعي إلى ذلك، ومنهم من يحرّم هذا الأمر ويشنِّع على من يقول به، وهناك من توسط في الأمر فجعله جائزاً في حق من لم يستطع النظر في الأدلة من عامة الناس. وقيل هذا في حق عامة الناس لأنهم لا يستطيعون النظر والاجتهاد، ومن أجل ألاّ يختار أحدهم الأسهل والأهون من أقوال أهل العلم من المذاهب المختلفة.
أما طلاب العلم والقادرون على النظر في الأدلة والاجتهاد في النوازل والحوادث ولو بالاجتهاد الجزئي - وهو القدرة على الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض - فإن الواجب عليهم النظر في الأدلة والعمل بما يوافقها وطرح ما يخالفها؛ لأن الواجب على جميع المكلفين معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها، ولكن تُرك هذا الأمر في حق عامة الناس لعدم قدرتهم عليه؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول:" لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" [البقرة:286] .
فيبقى الأمر على ما هو عليه فيمن عداهم من أهل العلم وطلابه، وبهذا يتضح أن الشخص العامي الذي لا يستطيع النظر في الأدلة يجوز له أن يقلّد أحد الأئمة المجتهدين المشهود لهم بالعلم والصلاح، ويتبعه في كل ما لم يعلم بطلانه.
أما إذا علم بطلان قوله في أي مسألة من المسائل بأن تبين له فيها دليل يخالف قول إمامه؛ فإن الواجب عليه العمل بما دل عليه الدليل، ولا يجوز له حينئذٍ الاستمرار على ما ذهب إليه إمامه؛ لأن التقليد إنما جاز لهذا العامي لأنه جاهل بالدليل، أما إذا عرفه أو أُخبر به وجب عليه ترك التقليد والعمل بالدليل؛ لعدم الحاجة إلى التقليد. ومن أجل ما سبق ذكره فإنك تخبر صاحبك بما دلّ عليه الدليل الثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتبين له أن الواجب على المسلم اتباع النبي المصطفى - عليه الصلاة والسلام - في كل ما ثبت عنه، وأن الله لم يتعبد أحداً من الناس باتباع الأشخاص مهما بلغوا من العلم إلا إذا كان الإنسان جاهلاً لا يعلم من الأدلة ما يستطيع العمل به، وفي هذه المسألة اتضحت فيها سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجب على الجميع العمل بها. والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.