(المصلحة: ضوابطها وتطبيقاتها..)

المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام

التاريخ 7/6/1425هـ

السؤال

السلام عليكم.

أحيطكم علماً بأني طالب في كلية القانون في إحدى الجامعات، وقد اخترت عنوان

(نظرية المصلحة، ضوابطها وتطبيقاتها في الشريعة الإسلامية) كموضوع لبحث التخرج كجزء من متطلبات درجة البكالوريوس في القانون، لذا أرجو منكم أن تساعدوني بما يمكن من آراء ومقترحات ومصادر وإرشادات ضرورية، لإتمامه وإنجازه على الوجه المطلوب. وجزاكم الله خيراً.

الجواب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

فإن موضوع المصلحة أو نظرية المصلحة من المواضيع الأصولية المهمة والشائكة في الوقت نفسه، والمصلحة في الحقيقة دليلٌ من الأدلة الشرعية المختلف في الاحتجاج بها بين أهل العلم، وغالباً ما يعبرون عنها بمصطلح (المصالح المرسلة) ، وسبب هذه التسمية أن المصلحة على ثلاثة أقسام:

1- مصالح اعتبرتها الشريعة، فهي معمول بها؛ لأن أدلة الشريعة اقتضت اعتبارها.

2- مصالح ألغتها الشريعة، فلا يجوز العمل بها؛ لأن أدلة الشريعة أبطلت العمل بها.

3- مصالح مرسلة لم يأتِ في الشريعة دليل خاص يقتضي اعتبارها أو إلغاءها، ولكن الغالب أنها توافق الأحكام العامة للشريعة، وهذا القسم هو الذي حصل فيه خلاف بين أهل العلم، وإذا أُطلقت المصلحة فالمراد بها هذا القسم.

وإذا نظرنا في حقيقة اختلاف العلماء في الاستدلال بالمصالح المرسلة نجد أنه من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية والتطبيقية فالأمر مختلف؛ لأن أغلب أهل العلم يعتبرونها ويعملون بمقتضاها، وإن كانوا لا يصرحون بذلك.

وعلى كلٍ فإن هذا الموضوع قد تكلم عنه عدد من العلماء قديماً وحديثاً، ومن أهم ما يثار في هذا الموضوع: ما قاله نجم الدين الطوفي في كتابه (شرح الأربعين) حينما شرح قوله عليه الصلاة والسلام: "لا ضرر ولا ضرار "، حيث تكلم عن المصلحة، وبين الحكم عندما تتعارض المصلحة مع النص الشرعي، وما الواجب فعله وقتئذ؟ وهذه النقطة من أهم النقاط التي يجب أن يتعرض لها من أراد الكلام عن المصلحة.

أما بالنسبة للمراجع والمصادر التي تناولت هذا الموضوع، فإن جميع الكتب الأصولية القديم منها والجديد تتحدث عن موضوع المصلحة وما يتعلق بها، وذلك في باب الأدلة المختلف في الاحتجاج بها أو في مباحث التعليل في باب القياس، وهذه الكتب الأصولية تعد المرجع الرئيس في هذا الموضوع، أما المؤلفات المعاصرة التي تناولت المصلحة بالبحث والدراسة فهي كثيرة، ومن أهمها:

1- المصلحة في التشريع الإسلامي للدكتور/ مصطفى زيد، من منشورات: دار الفكر العربي.

2- المصلحة المرسلة، للشيخ/ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي، من منشورات: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

3- نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي، للدكتور/ حسين حامد حسان، من منشورات:

مكتبة المتنبي في القاهرة.

4- ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، تأليف: محمد سعيد رمضان البوطي، رسالة دكتوراه، وهي مطبوعة.

إضافةً إلى عدد من المؤلفات الأصولية التي لها علاقة بموضوع المصلحة، مثل المؤلفات التي أُلفت في مسألة تعليل الأحكام، أو الكتب التي أُلفت في مقاصد الشريعة، ومن أهم هذه المؤلفات:

1- تعليل الأحكام، لمحمد مصطفى شلبي، من منشورات: دار النهضة العربية بلبنان.

2- رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، للدكتور/يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين، من منشورات: مكتبة الرشد بالرياض.

3- رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، للدكتور/صالح بن عبد الله بن حميد، من منشورات: دار الاستقامة.

4- مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة، للدكتور/محمد سعد اليوبي، من

منشورات: دار الهجرة بالرياض.

5- المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، للدكتور/يوسف العالم، من منشورات: المعهد العالمي للفكر الإسلامي.

ومن أراد الكتابة في هذا الموضوع فإن من الأحسن والأفضل أن يشبع المسائل الآتية بالبحث والدراسة والمعالجة:

تحديد المصلحة المعتبرة التي تبنى عليها الأحكام، وضبطها بالضوابط الشرعية التي تسندها الأدلة الشرعية الصحيحة الصريحة؛ لأن الناس فيما يتعلق بالمصلحة على طرفي نقيض: فمنهم من يأخذ بكل ما يحقق مصالحه بغض النظر عن موافقتها للأدلة الشرعية أو مخالفتها لها، ومنهم من يمنع من الأخذ بأي مصلحة وإن كانت لا تخالف الأدلة الشرعية، ولا شك أن كلاً من الطرفين قد تطرف في هذه القضية، ولذلك فإنه لا بد من وضع ضوابط واضحة تحدد المصلحة المعتبرة التي تبنى الأحكام عليها والمصلحة الباطلة التي لا يجوز الاستناد إليها.

الاستفادة من الفتاوى والأحكام والأقوال الصادرة عن عدد من الأئمة والعلماء المتقدمين لا سيما في المسائل التي ليس فيها نص خاص من الكتاب والسنة، حيث يلاحظ الباحث أن هؤلاء العلماء قد بنوا أحكامهم على عدة أصول، منها:

المصلحة، وهذا أمر مشاهد وواقع، ومما لا شك فيه أن الباحث إذا استطاع أن يثبت أن العلماء كانوا يعملون بالمصلحة ويبنون عليها الأحكام، فإن ذلك له أثره البالغ في إظهار أهمية المصلحة ومشروعية العمل بها، كما أن هذا الأمر يساعد كثيراً في بيان ضوابط المصلحة ومجال العمل بها.

دراسة عدد من الأمور النازلة، وبيان أثر الأخذ بالمصلحة المعتبرة بشروطها وضوابطها في تيسير الوصول إلى معرفة حكمها بأيسر الطرق وأسهل الأسباب،

وإذا استطاع الباحث تحقيق هذا الأمر فإنه سيعطي هذا الموضوع أهمية بالغة؛ لأنه -والحالة هذه- ذريعة إلى الوصول إلى معرفة الحكم الشرعي.

بيان العلاقة القائمة بين المصلحة المعتبرة ومقاصد الشريعة؛ لأن الشارع لم يكلف الناس عبثاً، وإنما أمرهم بما يحقق مصالحهم الدينية والدنيوية، وهذا الأمر يساعد كثيراً في ربط أحكام الشريعة بعضها ببعض.

هذا ما تيسر الكلام عنه فيما يتعلق بموضوع المصلحة، وأسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يكون النجاح حليفك في هذا البحث وسائر أمورك، كما أسأله أن يصلح الأمور في بلدكم وبلدنا الحبيب: العراق، وأن يخرج الغزاة المحتلين منه أذلةً صاغرين، وأن يعز الله أهل الحق ويظهرهم على عدوهم، آمين.

والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015