أوضح لك أكثر، فأقول: اعلم -أرشدك الله لطاعته– أن الرسول صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاث عشرة سنة، وكما هو معلوم لم يفرض صيام رمضان في مكة، وإنما فرض بعد الهجرة.
فالرسول صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة بعد الهجرة إذا أتاه أحد وأسلم. هل يقول له: لا تصم رمضان ثلاث عشرة سنة ثم بعد ذلك صم؟!.
لا شك أنه لا يقول له ذلك، وإنما يأمره بشرائع الإسلام كلها، ومنها الصيام. وقل مثل هذا الكلام في بقية شعائر الدين.
فالله عز وجل أنزل القرآن في ثلاث وعشرين سنة، يأمر بأوامر، وينهى عن نواهي، ويشرع، وينسخ، ويفعل الله ما يشاء، حتى إذ اكتملت الرسالة قال: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً".
فلا يأتينّ قائل ويقول في مكة: لم يشرع صيام رمضان، ولا حرم الخمر، ولا شرع الحج والزكاة، إلى آخر ذلك ... ويهدم بذلك الإسلام.
فأحكام الفترة المكية التي نسخها الله بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، لا يجوز للمسلم أن يعمل بها؛ لأنها بعد نسخها لم تعد أحكاماً شرعية، فمن عمل بها وترك العمل بما نسخها كان فيه شبه بمن عمل بدين منسوخ، وأعرض عن دين الإسلام الذي نسخ ما سواه من الأديان، كما أن هذا يفتح الباب لترك كل الأحكام التي شرعت في المرحلة المدنية، ولا شك أن ذلك هدم للإسلام وتغيير لأحكامه، فليحذر المسلم من هذا.
وفي قول السائل –وفقه الله– كيف يمكن أن يربي الواحد منا نفسه على العبادات؟ فأختصر الكلام حول هذه القضية فأقول إن للمسلم أعداء يمنعونه من الطاعات، وهم:
أولاً: نفسه التي بين جنبيه، قال تعالى: "إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ" [يوسف:53] .