فما فعله الخضر -سواء من قتل الغلام أو غيره مما ذكر في القصة- كان من العلم الذي علمه الله إياه، ولم يكن تصرفاً مجرداً، وقتل الخضر للغلام إنما كان بأمر الله، وهو قتله دفاعاً لصولته على أبويه في الدين، كما قال تعالى في نفس السياق: "فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً " [الكهف:80] والصبي لو صال على مسلم في بدنه أو ماله ولم يندفع عن المسلم إلا بالقتل جاز قتله، بل الصبي إذا قاتل المسلمين قُتِل، ولكن من أين يُعلم أن هذا الصبي سيصول على أبويه يفتنهما في دينهما؟ فهذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وهو العلم الذي علمه الله للخضر، ولذلك قال ابن عباس –رضي الله عنهما- لنجدة الخارجي لما استفتاه في قتل الغلمان قال: "إن علمت منهم ما علم الخضر من ذلك الغلام فاقتلهم وإلا فلا".
أما موضوع الإلهام فالإلهام كلمة فضفاضة يدخل فيها كثير من المعاني الصحيحة والفاسدة، مع العلم أن الإلهام قد يكون في الخير وقد يكون في الشر أيضاً، كما في قوله تعالى: "فألهمها فجورها وتقواها" [الشمس:8] .
والإلهام على فرض حصوله فهو يقع بغير حجة ولا استدلال ولا نظر وهو ليس بحجة إطلاقاً، كما يدعيه بعض المتصوفة، وليس لهذا الادعاء أي أساس لا من عقل ولا من نقل، بل هو ادعاء يناقضه الدليل العقلي والنقلي، وعلى هذا لا يمكن أن يدعي أي إنسان -بعد انقطاع الوحي- أن أعماله تقع من باب الإلهام، فقد تكون من حديث النفس أو قد تكون من شهوة النفس أيضاً، وقد تكون وساوس شيطانية، فالإلهام ليس مصدراً لتقييم صواب العمل من خطئه، فالاتصال بين الله والبشر انقطع بموت النبي -صلى الله عليه وسلم- وليس لأحد أن يدعي أي نوع من الاتصال سواء سُمي وحياً أو إلقاء في الروع أو إلهاماً أو كشف الحجاب أو غيرها من الأسماء التي تزعم اختصاص بعض النفوس بشيء من العلم اللدني دون بقية الناس.