قال الله تعالى: "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم" [النساء: 140] ، ففي هذه الآية دلالة صريحة على أن من جلس في مجلس يكفر فيه بآيات الله ويُستهزأ بها فإنه مثل أولئك الكافرين المستهزئين، وهكذا يقال في مجالسة المبتدع في حال تكلمه ببدعته ودعوته إليها، فإن الذي يجلس معه وهو يتكلم بالباطل ويضلل الناس هو مثله؛ لأن قعوده معه -من غير نكير- يدل على رضاه عنه ورضاه بالباطل، فمن لم يستطع أن يمنع المنكر فعليه ألا يحضره، بل يقوم من المجلس الذي يُعصى الله فيه، أما إذا لم يتكلم المبطل بباطله من كفرٍ أو بدعةٍ أو معصية فالجلوس حينئذ يختلف حكمه باختلاف المقاصد والأسباب والآثار، فقد يكون مشروعاً كما إذا قصد التآلف والدعوة من غير أن يخشى الإنسان ضرراً يلحقه في دينه، وقد يكون مكروهاً، وقد يكون مباحاً إذا كان لحاجةٍ مباحة، وقد يكون الجلوس حراماً إذا ترتب على ذلك مفسدةٌ في الدين تلحق الشخص المجالس أو غيره ممن يقتدي به، وهجر العصاة والمبتدعة تارة يكون لاتقاء شرهم وتارة يكون للإنكار عليهم وزجرهم ليتوبوا، وما جاء عن السلف من التحذير عن مجالسة أهل البدع إنما ذلك لأجل ما يُخشى من شرهم لتأثيرهم على من يجالسهم، وأكثر الناس ليس عندهم من العلم وقوة الإيمان ما يكون واقياً لهم من شر المبتدعين ودعاة الضلال، وكما قيل الوقاية خير من العلاج، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015