وقال ابن رجب في لطائف المعارف (263) : "وليلةُ النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام، كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان بن عامر وغيرهم يُعظّمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم يأخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قبله منهم ووافقهم على تعظيمها منهم طائفة من عُبّاد أهل البصرة وغيرهم، وأنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز منهم عطاء وابن أبي مُليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كلّه بدعة".
وأما قول ابن رجب من أن مرجع تعظيم هذه الليلة إلى الإسرائليات فقد وجدت ما يشهد له، من أن مكحولاً الشامي (وهو مرجع أكثر طرق الحديث كما سبق) قد رُوي هذا الحديث عنه في بعض الوجوه عن كعب الأحبار!! كما تراه في كتاب النزول للدارقطني (162-164، 168 رقم 88) ، وانظر لطائف المعارف أيضاً (264) .
ومما نقله ابن رجب في لطائف المعارف (264) ويخالف ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وهو قول ابن رجب:" ولا يُعرف للإمام أحمد كلام في ليلة النصف من شعبان ".
وأما تعظيم أهل الشام لهذه الليلة، فقد خالفهم في ذلك فقيه الشام الإمام الأوزاعي، فيما ذكره السبكي، ونقله عنه الزبيدي في تخريج إحياء علوم الدين (1/521) ، وفيما ذكره ابن رجب أيضاً في لطائف المعارف (263) .
وأخيراً، فعلى فرَض صحة حديث فضل ليلة النصف من شعبان، فإن الذي أخبرنا بفضلها وهو النبي – صلى الله عليه وسلم -لم يخصها بعبادة معينة، فلو كان ذلك مشروعاً لكان هو - صلى الله عليه وسلم - أحرص على فعله وبيانه للناس، بل لو قيل: إن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد شرع ما يتقرب به تلك الليلة (على فرض الصحة) لكان هذا وجيهاً، وهو أن تنام تلك الليلة خالصاً قلبك من الشرك والشحناء على المسلمين!! .