أما الأثر عن كعب الأحبار الذي ذكره ابن كثير عند تفسير الآية، فهو من الأحاديث الإسرائيلية المردودة والتي لا تقبل؛ لمخالفتها لشرعنا، فإن وضع السماوات والأرض- كما في قول كعب، رضي الله عنه- على كتف ملك من الملائكة، مخالف للواقع والحس، فضلاً عن أن الشرع لا يدل عليه. يدل على هذا تكذيب عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، لقول كعب، رضي الله عنه. هذا، ولو كان مثل هذا صحيحًا لجاءنا بحديث صحيح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، ولما لم يأتنا تبيَّن كذبه وبطلانه، وقد ذكر ابن جرير الطبري بعد رد عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، زيادة بعد تلاوته الآية، وهي: (كفى بها زوالاً أن تدور) . أي: أنها إذا زالت كيف تدور؟ فكأن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، يشير بقوله هذا إلى مخالفة هذا الأثر للواقع العقلي، وليس هناك فرق بين المعطوف والمعطوف عليه (السماوات والأرض) من حيث الدوران، غير أن المراد بالسماوات: الأفلاك والنجوم، الثابت منها والمتحرك. وليس المراد بالسماء ذات الأبواب والحرس التي فيها الأنبياء والملائكة والجنة وفوقها عرش الرحمن جل وعلا، فإن هذه السماوات عالم غيبي تعرف بالخبر عن الصادق المصدوق، بخلاف السماوات ذات النجوم والشهب والكواكب، فطريق معرفتها الحس والمشاهدة، وهي المقصودة المرادة في آية فاطر هذه.
ومن المعلوم، كما يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- أن الأفلاك كلها مستديرة (مكوَّرة) وكلها في السماء، والسماء على الأرض مثل القبة، وإذا كان ما في هذه السماء من كواكب ونجوم ومجرات تدور في أفلاكها (سمائها) ، فإن الأرض تدور كذلك؛ لأن السماء محيطة بها.