ثالثا: إقامة الحجة على المعين؛ للتأكد من خلوه من الأعذار، التي تدرأ عنه الكفر، ولتنزيل هذا الحكم عليه.
وهذه أخطر الخطوات، وأكثرها حساسية ومسؤولية. وهي مهمة لا تتحقق، ولا تتيسر -في العادة، وفي الأعم الأغلب– ولا تكون مفيدة نافعة للناس وللدين، إلا باجتماع العلماء والحكام واتفاق أمرهم:
فالحاكم من جهة الأمر؛ فيأمر بإحضار المتهم بالعملية الكفرية، لسؤاله واستنطاقه.
والعالم من جهة الفتوى وإقامة الحجة؛ فيقوم بالمساءلة والاستنطاق، وإقامة الحجة.
رابعا: إذا قامت الحجة على المعين، وقع عليه الكفر، فيستتاب، فإن تاب وإلا طبقت عليه أحكام الردة.
فلو فرضنا أن إثبات الأمرين الأولين في المتناول، فإنه ليس كذلك في إقامة الحجة، وإثبات الكفر على معين. فإثبات الشروط، وانتفاء الموانع (= إقامة الحجة) أمر شاق وعسير، فإنه يحتاج إلى فحص كل شرط لمعرفة ثبوته، وكل مانع لمعرفة انتفائه، وقد لا يتيسر ذلك في كل حال.
وما زال كثير من العلماء يتورعون عن تكفير الأعيان، وإنما يكتفون بالحكم على القول دون القائل، نظرا منهم إلى عدم علمهم بقيام الحجة على القائل، أو عدم تمكنهم من ذلك.
والمتأمل في النصوص، يجد الفرض الذي على عامة المؤمنين، فيما بينهم من الرقابة على أمور الدين، هو:
إقامة الحجة من جهة البلاغ، كما قال تعالى: "ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين" [فصلت:33] . ببيان حقيقة الكفر، وأنواعه، وحكمه، ومتى يقع المسلم في الكفر؟. لا من جهة المساءلة، والمحاسبة، والمحاكمة، والمعاقبة. فهذا فرض على الحاكم؛ لأنه مأمور بصون الشريعة، وبإقامة الحدود. فإذا لم يقم به فهو المسؤول عنه، فالإمام راع، وهو مسؤول عن رعيته، كما في الحديث [صحيح البخاري (893) ، وصحيح مسلم (1829) ] لا يسأل أحد غيره عن تفريطه.