وقد جاهد كثير من علماء السلف مع جيوش الحجاج بن يوسف وكلهم لا يشك في طغيانه وظلمه، كما فرح أهل السنة بما فعل بعض الخلفاء والولاة بالمبتدعة، وإن كانوا في أنفسهم ليسوا على السنة المحضة؛ مثل المتوكل، وخالد بن عبد الله القسري؛ فالعبرة في هذا كله بنصرة الدين وإقامة الشريعة، وأخيرا ـ أخي السائل ـ فإن العلم والعدل هما ضابط الحكم على الناس ـ كما قرره العلماء ـ، وإن اعتمادهما ـ أي شَرطي العلم والعدل في الكلام على الناس عمومًا، وفي الحكم على أقوال المخالفين وأعمالهم خصوصًا.. لا يعني المداهنة مع المبتدعة، ولا الدفاع عن باطلهم، ولا تذويب العقيدة أو إضعاف جانبها أمام الضلالة، أو التقصير نحو إظهارها أو إعلائها على غيرها من الأقوال والآراء المخالفة، لكنه المنهج الحق الذي شرعه الله لأنبيائه وعباده، وارتضاه لهم في كتبه، واتبعه رسوله صلى الله عليه وسلم، وسار عليه سلف الأمة وعلماؤها.. يقول عنه شيخ الإسلام ابن تيمية بعد تقريره: (ولما كان أَتْبَاعُ الأنبياء هم أهل العلم والعدل، كان كلام أهل الإسلام والسنة، مع الكفار وأهل البدع، بالعلم والعدل لا بالظن وما تهوى الأنفس) ، وفي النهاية أسوق هذا المثل: خرج رجل أعجمي مسلم لا يحسن اللغة العربية جيدًا لقضاء بعض حوائجه، وفي الطريق استرعى انتباهه رجلين عربيين مسلمين كانا يتحادثان، ثم اشتد نقاشهما واحتد إلى درجة السباب والشتائم والبذاءة، فرجع الرجل الأعجمي المسلم إلى أهله وعلى وجهه علامات الضيق والاستغراب فسأله أولاده ماذا جرى فأجابهم بالقصة ثم علق قائلاً:

ما كنت أظن أن اللغة العربية التي نزل بها القرآن العزيز يمكن أن تستخدم في العراك والسباب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015