وحتى يكون التفكير منهجياً صائباً فإنه لا بد أن يبنى على اليقين لا الظن "إن الظن لا يغني من الحق شيئاً" [يونس:36] ، وعلى التثبت لا التخرص "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" [الحجرات: 6] ، ويجب أن يقوم على الحق لا الهوى "قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين" [الأنعام: 56] ، ولا مناص أن يكون أساسه الصدق لا التلون، والصراحة لا المداراة، وبعيداً عن النفعية البراغماتية، والميكافيلية التحايلية، فالغاية لا تبرر الوسيلة "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" [التوبة: 119] ،ويلزم أن يعتمد التفكير على الدقة والتفصيل لا على الإجمال والتعميم، والمعلومات الدقيقة أساس التفكير والتخطيط، وفي قصة يوسف - عليه السلام- إشارة ودلالة "قال تزرعون سبع سنين دأباً فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون. ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلاً مما تحصنون. ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون" [يوسف: 47-49] ، وأخيراً لا تتحقق الجدوى الكاملة إلا بأن يكون التفكير عملاً مؤسسياً لا يعتمد كلياً على الأشخاص، وإن كان يقدر أدوارهم ويستثمر خبراتهم، فالأصل هو المنهج لا الأشخاص، والقضايا لا الأفراد، والنظام المنهجي لا المزاج الشخصي.

ولا بد من إدراك أن الطريق إلى إحياء التفكير وجدية العمل، ودقة التخطيط، وأمانة التنفيذ، وكفاءة الأداء كل ذلك طريقه ملئ بالعقبات الداخلية والخارجية، فهناك الروح الانهزامية المستسلمة لتفوق الغير، وهناك العقلية النمطية الرافضة لمبدأ التغيير والتجديد، وهناك مراكز القوى النفعية التي تقوم مصالحها على الارتباط بالأجنبي، وهناك بيروقراطية الأداء في الأجهزة الحكومية، بل والخاصة أحياناً، وهناك أرباب النفوذ السياسي في الطبقات الحاكمة التي لا ترى لغيرها حقاً أو إمكانية في الإنتاج والإنجاز، هذا فضلاً عن الإغراق في الملهيات، والاستغال بالتفاهات، ولا ينبغي نسيان استهداف الأعداء لمنع عجلة التطور من الدوران؛ لأنها أكبر خطر على مصالحهم، ويزعزع نفوذهم، ولكن كل ذلك ينبغي أن يكون - لدى العقلاء والمخلصين- زاداً للتحدي وعوامل للإصرار حتى نتحرك شيئاً فشيئاً في مقاومة تلك العوائق، ونتقدم الخطوات الأولى في مسيرة آلاف الأميال نحو اليقظة والنهضة.

وليعلم السائل أن التفكير الذي أثمر مشروعات، وأعمالاً كبرى إنما جاء من أشخاص لهم علم واسع، وخبرة عميقة، وتجارب متتابعة، وتعاون إيجابي مع الآخرين؛ ولذلك أنصح بمواصلة التفكير، والبحث عن مخارج الأزمات، وحلول المشكلات، ومشروعات الإصلاح مع الاستفادة بما سبق ذكره، وأحب أن أوصي السائل بهذه الخطوات العملية:

(1) القراءة والتدبر في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم-والصحابة عموماً والخلفاء الراشدين منهم خصوصاً -رضي الله عنهم جميعاً-، وذلك بالنظر في عبقريتهم الذهنية وقوتهم النفسية، وإبداعاتهم العملية، ويمكن التركيز على بعض الكتب التي تعتمد مبدأ التحليل ودراسة جوانب التفكير، والفوائد من سيرتهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015