وهكذا ينبغي أن نجاهد أنفسنا ونراقبها ونأخذها بالجادة ونعرضها لأنواع من الرياضة القلبية والمجاهدة الروحية لصقلها من كل شائبة وكشف معدنها الطاهر، وهو الجانب الآخر للنفس التي خلقها الله: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) [الشمس:7، 8] . فلا بد من استخراج تلك التقوى بالأعمال الصالحة، والمواظبة على الأذكار وقراءة القرآن وما شابه من القربات. . ولا ينبغي الاستهانة بالذنب، ولو لم يكن من الذنوب التي رتب على فعلها حد؛ لأن الكبائر غير محصورة في ذلك، وما ذكرت من الأخطاء من عدم المحافظة على الصلاة وعدم بر الوالدين ليس من الذنوب الصغيرة حتى يستهان بها، بل هي إلى الكبائر أقرب منها إلى الصغائر، لا سيما إذا أردت بعدم المحافظة على الصلاة عدم تأديتها أحيانًا، بمعنى ترك بعض الصلوات وتضييعها، فهذا عظيم، فإن من أهل العلم من حكم بكفر من ترك صلاة واحدة عامدًا متعمدًا حتى يخرج وقتها، وعدم البر بالوالدين يعني العقوق، والعقوق ذكره النبي صلى الله عليه وسلم- من أكبر الكبائر، ففي الصحيحين: عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ ". ثَلَاثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ". وَجَلَسَ -وَكَانَ مُتَّكِئًا- فَقَالَ: "أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ". أخرجه البخاري (2654) ومسلم (87) . فالواجب على العبد منا أن يتقي الذنوب صغيرها وكبيرها، ويخشى عقوبتها وآثارها، فإن للذنوب آثارًا مدمرة على حياة الإنسان وصلاحية قلبه، وتعد حائلاً بين العبد وربه، ويُحرَم بسببها الكثيرَ من التوفيق والسداد والإعانة وكثيرًا من الخيرات؛ وأشعر أن أصل البلاء في القلب، إذ إن القلب المحصن من الشيطان، تسهل عليه إرادة فعل الخيرات لأنه قلب صحيح قوي، والقلب الذي يمكن الشيطان أن يدخله فيتجول فيه كما يشاء، يتوصل الشيطان بسهولة أن يجعل فيه إرادة السيئات، بعدما يزينها له؛ لأنه قلب مريض. ومن الناس من لا يدخل الشيطان قلبه إلا مرورًا سريعًا، لقوة التحصينات حوله، فهذا مثل الذين يفعلون الصغائر أحيانًا وسرعان ما يتوبون منها، وهم الذين قال الله تعالى عنهم: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) [الأعراف: 201] . ومن الناس من لا يقترب الشيطان من قلبه أبدًا؛ لأن قلبه مثل السماء المحروسة بالشهب، من الشياطين، فقلبه كذلك محروس من الشيطان، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم- عن هذا القلب: "أَبْيضُ مِثْلُ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دامَتِ السَّمَاواتُ والأَرْضُ". رواه مسلم (144) من حديث حذيفة، رضي الله عنه. ومن الناس من دخل الشيطان قلبه، فاتخذ فيه بيتًا، وجعل له فيه عشًّا يبيض فيه ويفرخ، فاستحوذ عليه، يأمر القلب بالشهوات المحرمة، فيريدها قلبه، فيأمر الجوارح بفعلها فتفعله؛ لأن الشيطان وجده قلبًا خاليًا عن التحصينات، مفتح الأبواب، ضعيفًا مريضًا بفعل السيئات، ولهذا قال الله تعالى، عن هذا النوع: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ