فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال مطول متداخل وفيه شيء يحتاج إلى تصنيف فالذين سمعهم يذمون التصوف ويطلقون إنما يريدون أن إثبات طريقة على نحو معين تنفرد عن طريقة أهل السنة والجماعة هذا من حيث هو مذموم بلا شك فالذي ينبغي لجميع المسلمين أن يكونوا طائفة واحدة ألا وهي طائفة السلف الصالح أهل السنة والجماعة سواء كان ذلك في العقيدة أو كان ذلك في الأعمال الظاهرة أعمال الجوارح فالذي يذم مطلقاً أن تحدث طريقة معينة يقال لها هذه طريقة القوم إذ أن كل طريق أو كل طريقة تخالف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم فإنها مذمومة مهما كانت أما بالنسبة للأعمال التي تحدثها هذه الطائفة فإنه ينظر إن وافقت ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام فهي حق لكن لا ينبغي أن يقال إنها من طريق الصوفية أو من صنع الصوفية أو من تنظيم الصوفية أو ما أشبه ذلك بل يقال هذه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا تنسب إلى هذه الطائفة بعينها وحينئذ يخرج من اللقب الذي قد يوجب الذم وأما ما يتعلق بالزهد في الدنيا فلا ريب أن الزهد بالدنيا الذي لا يتضمن ترك ما أحل الله عز وجل أو لا يتضمن ترك ما ينفع في الآخرة لا ريب أنه محمود وأن الإنسان ينبغي له أن تكون الدنيا وسيلة إلى الآخرة لا يكون كل همه وقصده بالدنيا والإنسان إذا أراد الدنيا فقط فإنه قد يضيع الدنيا والآخرة لقوله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) وأما الأذكار والأوراد التي أحدثها أهل التصوف فإنه لاشك أن ما خالف الشرع منها بكيفيته أو وقته أو عدده أو سببه فإنه بدعة ينكر على صاحبه لأنه لا تكون العبادة عبادة حتى يقوم دليل شرعي على الأمور التالية على سببها وجنسها ونوعها وهيئتها وزمانها ومكانها وقدرها فإذا لم يكن دليل على هذه الأمور فإنها تكون بدعة ويكون فيها من البدع أو من البدعية بحسب ما فارقت السنة فيه.
***