F حسن مأمون.
جمادى الأولى 1377، هجرية 26 نوفمبر 1957 م
M 1 - تعدد الأماكن والمساجد التى تصح فيها الجمعة لا يؤثر فى صحتها ولو سبق بعضها الآخر فى الصلاة عند الحنفية بشرط ألا يحصل عند المصلى يقين بأن غيره قد سبقه فى صلاة الجمعة وإلا وجب عليه أن يصلى أربع ركعات بنية آخر ظهر بتسليمة واحدة، أما إن شك فى ذلك فإنه يندب له صلاة أربع ركعات بنية آخر ظهر.
والأفضل أن يكون ذلك كله فى بيته حتى لا يتوهم البعض أنه فرض.
2 - تعدد الأمكنة لحاجة أو ضرورة كضيق المسجد الواحد عن أهل البلدة يجيز الصلاة فى جميعها، ولكن يندب للمصلى أن يصلى الظهر بعد الجمعة وذلك عند الشافعية، وإلا فإن الجمعة تكون عندهم لمن سبق بالصلاة بشرط أن يثبت يقينا سبق السابق بتكبيرة الإحرام.
3 - إذا ثبت أنهم جميعا صلوا فى جميع المساجد فى وقت واحد بأن كبروا تكبيرة الإحرام فى وقت واحد أو وقع الشك فى ذلك فإن الصلاة تبطل فى جميع المساجد عند الشافعية، ويجب على الجميع الاجتماع فى مكان واحد ويعيدونها جمعة إن أمكن ذلك وإلا صليت ظهرا.
4 - تصح الجمعة فى المسجد العتيق فقط عند المالكية أما الجديد فتصح فيه إذا هجر العتيق كلية وانتقل الناس إلى الجديد، أو إذا حكم حاكم بصحتها فى الجديد أو أن يكون العتيق ضيقا ولا يمكن توسعته فيحتاج الناس إلى الجديد أو أن تكون هناك عداوة بين طائفتين بالبلدة الواحدة ويخشى من اجتماعهما فى مسجد واحد حدوث ضرر لإحداهما من الأخرى - وذهب يحيى بن عمر من المالكية إلى جواز تعدد الجمعة إذا كان البلد كبيرا وجرى العمل به.
5 - تجوز الجمعة فى أماكن عدة للحاجة سواء كانت صلاة الجمعة بإذن ولى الأمر أم بدون إذنه ولكن الأولى أن يصلى الظهر بعدها عند الحنابلة، فإن لم تكن حاجة لذلك فإن الجمعة لا تصح إلا فى المكان المأذون بالصلاة فيه من ولى الأمر.
6 - إذن الإمام بصلاة الجمعة فى عدة مساجد لغير حاجة أو عدم إذنه أصلا تكون الجمعة لمن سبق بتكبيرة الإحرام، وإن ثبت أنهم كبروا جميعا فى وقت واحد بطلت الصلاة إن تيقنوا ذلك وأعادوها جمعة إن أمكن وإلا صلوها ظهرا وهذا عند الحنابلة أيضا.
7 - عدم العلم بالسابق منهم بتكبيرة الإحرام يقتضى أن تكون الصلاة صحيحة فى مسجد غير معين، فلا تعاد جمعة بعدها ولكن على الجميع أن يصلوها ظهرا، غير أن صاحب الاقناع ذكر أن الجمعة تصح عند الحنابلة فى مواضع من غير نكير فكان إجماعا.
8 - عدم إقامة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة فى أكثر من موضع كان لعدم الحاجة إلى ذلك
Q من م ص أالمقيم بدير الزور بسوريا بطلبه المتضمن طلب بيان حكم صلاة الظهر بعد الجمعة فى مصر تعددت فيه المساجد فوق الحاجة وتقام صلاة الجمعة فى جميع المساجد المتعددة ولم تعلم تكبيرة الإحرام السابقة من تلك الجمع، وهل تغنى صلاة الجمعة عن صلاة الظهر
صلى الله عليه وسلمn إن المقصود من صلاة الجمعة هو اجتماع المسلمين فى مكان واحد خاشعين متذللين لرب العالمين شاعرين بالعبودية له وحده متأثرة نفوسهم بعظمة الخالق الذى اجتمعوا لعبادته متجهين جميعا فى خضوع إلى وجهه الكريم فلا سلطان ولا عظمة ولا كبريا ولا جاه إلا لله وحده، وبهذا تصفو النفوس وتزول الفوارق وتحصل المساواة أمام الله ويتعرف كل واحد من المجتمعين على أحوال أخيه ويحس باحساسه فتتوثق بينهم روابط الألفة والمودة والرحمة والإخاء والتعاون والرفق والمحبة والتضحية وتقوى أواصر الصلة وتندثر فى نفوسهم عوامل البغض والحقد والحسد والضغينة والكراهية والأنانية وحب الذات هذه هى بعض أغراض الشريعة الإسلامية من اجتماع المسلمين فى صعيد واحد فى صلاة الجمعة وفى سائر العبادات التى أوجبت فيها مثل هذا الاجتماع، وكلما كان الاجتماع أكثر كان أثره فى هذه المقاصد أجل وأعظم، فاذا تعددت الاجتماعات بتعدد المساجد لغير ضرورة لا يشعر المجتمعون بفائدة الاجتماع كشعورهم فى الأول ولا تتأثر نفوسهم بهذه المعانى كتأثرها عند كثرة المجتمعين، فلهذه الحكم والأغراض اختلفت آراء المذاهب الأربعة فى صحة الجمعة وعدم صحتها عند تعدد الأماكن أو المساجد التى تصح فيها الجمعة فى البلدة الواحدة، وفيما هو واجب على المسلمين إذا لم تصح الجمعة، وها هو ذا بيان آراء المذاهب فى هذا الموضوع.
مذهب الحنفية: الرأى الصحيح والراجح عندهم أن تعدد المساجد والأماكن التى تصح فيها الجمعة لا يؤثر فى صحة الجمعة ولو سبق بعضها الآخر وذلك بشرط أن لا يحصل عند المصلى اليقين بأن غيره من المصلين فى المساجد أو الأماكن الأخرى قد سبقه فى صلاة الجمعة، فإذا حصل له هذا اليقين وجب عليه أن يصلى أربع ركعات بنية آخر ظهر بتسليمه واحدة، ويلاحظ أن الواجب عنه الحنفية أقل من الفرض ولا مانع من اعتباره سنة مؤكدة، ويقرأ فى كل ركعة من الفاتحة سورة أو ثلاث آيات قصار لاحتمال كون هذه الصلاة نقلا إذا هذه القراءة واجبة فى جميع ركعات النقل، والأولى أن يصلى هذه الركعات بعد أن يصلى أربع ركعات سنة الجمعة، والأفضل كذلك أن يصليها فى بيته حتى لا يعتقد العامة أنها فرض - وهذا كله حكم ما إذا تيقن أن غيره من المصلين فى المساجد الأخرى سبقه فى صلاة الجمعة - أما إذا حصل له شك فى ذلك ولم يتيقن فإنه يندب له أن يصلى أربع ركعات بنية آخر ظهر على الوجه المتقدم وعلى ذلك تكون صلاته فى كلتا الحالتين المذكورين على الوجه الآتى فبعد أن يصلى الجمعة يصلى بعدها أربع ركعات سنة الجمعة بغير فاصل ثم يصلى أربع ركعات بنية آخر ظهر يقرأ سورة أو ثلاث آيات قصار فى جميع ركعاتها، والأفضل أن تكون فى بيته ثم يصلى ركعتين سنة الظهر.
يراجع الدر المختار وحاشيته رد المحتار للعلامة ابن عابدين باب الجمعة.
مذهب الشافعية: قال الشافعية إذا تعددت الأمكنة التى تصلح فيها الجمعة لا يخلو - إما أن يكون تعدد هذه الأماكن لحاجة أو ضرورة كأن يضيق المسجد الواحد عن أهل البلدة، وإما أن يكون تعدد هذه الأماكن لغير حاجة أو ضرورة - ففى الحالة الأولى وهى ما إذا كان التعدد للحاجة أو الضرورة فإن الجمعة تصلى فى جميعها ويندب أن يصلى الناس الظهر بعد الجمعة - أما فى الحالة الثانية وهى ما إذا كان التعدد لغير حاجة أو ضرورة فإن الجمعة لمن سبق بالصلاة بشرط أن يثبت يقينا أن الجماعة التى صلت فى هذا المكان سبقت غيرها بتكبيرة الإحرام، أما إذا لم يثبت ذلك بأن يثبت بأنهم صلوا فى جميع المساجد فى وقت واحد بأن كبروا تكبيرة الإحرام معا فى لحظة واحدة أو وقع الشك فى أنهم كبروا معا أو فى سبق أحدهم بالتكبير فإن الصلاة تبطل فى جميع المساجد، ويجب عليهم أن يجتمعوا جميعا فى مكان واحد ويعيدوها جمعة إن أمكن ذلك، وإن لم يمكن صلوها ظهرا.
تراجع حاشية العلامة البجيرمى على شرح المنهج.
مذهب المالكية: ذهب المالكية إلى أن الجمعة إنما تصح فى المسجد العتيق وهو ما أقيمت فيه الجمعة أولا ولو تأخر أداؤها فيه عن أدائها فى غيره ولو كان بناؤه متأخرا، وتصح فى الجديد فى الأحوال الآتية (1) أن يهجر العتيق كلية وينقلها الناس إلى الجديد (2) أن يحكم حاكم بصحتها فى الجديد (3) أن يكون القديم ضيقا ولا يمكن توسعته فيحتاج الناس إلى الجديد (4) أن تكون هناك عداوة بين طائفتين بالبلد الواحد ويخشى من اجتماعهما فى مسجد واحد حدوث ضرر لإحداهما من الأخرى فانه يجوز لأيهما اتخاذ مسجد فى ناحية يصلون فيه الجمعة ما دامت العداوة قائمة - وذهب يحيى بن عمر إلى جواز تعداد الجمعة إذا كان البلد كبيرا، قال العلامة الدسوقى فى حاشيته على الشرح الكبير جزء أول بعد أن ذكر ما سبق وقد جرى العمل به.
مذهب الحنابلة: ذهب الحنابلة إلى أن تعدد الأماكن التى تقام فيها الجمعة فى البلدة الواحدة إما أن يكون لحاجة أو لغير حاجة، فإن كان لحاجة كضيق مساجد البلدة عمن تصح منهم الجمعة وإن لم تجب عليهم وإن لم يصلوا فعلا فإنه يجوز وتصح الجمعة فى جميع المساجد سواء كانت صلاة الجمعة فى هذه المساجد باذن ولى الأمر أم بدون إذنه، وفى هذه الحالة الأولى أن يصلى الظهر بعدها، أما إذا كان تعدد المساجد لغير حاجة فإن الجمعة لا تصح إلا فى المكان الذى أذن ولى الأمر بإقامة الجمعة فيه ولا تصح الجمعة فى غيره حتى ولو سبقت، وإذا أذن ولى الأمر بإقامتها فى مساجد متعددة لغير حاجة أو لم يأذن أصلا فالصحيحة منها ما سبقت غيرها بتكبيرة الإحرام معا بطلت صلاة الجميع إن تيقنوا ذلك، فإن أمكن إعادتها جمعة أعادوها وإن لم يمكن صلوها ظهرا، أما إذا لم تعلم الجمعة السابقة فإن الجمعة تصح فى مسجد غير معين فلا تعاد جمعة ولكن على الجميع أن يصلوا ظهرا.
يراجع تصحيح الفروع للعلامة المقدسى الحنبلى الجزء الأول.
وقال فى الإقناع إن الجمعة تصح فى مواضع من غير تكبير فكان إجماعا.
قال الطحاوى وهو الصحيح من مذهبنا وأما كونه صلى الله عليه وسلم لم يقمها ولا أحد من الصحابة فى أكثر من موضع فلعدم الحاجة إليه.
ومما تقدم يظهر أن مسألة وجوب الظهر مع فرض الجمعة مسألة خلافية ونرجح الأخذ برأى الحنفية فى ذلك ليهرع الناس إلى المساجد أيام الجمع لأداء فريضة الجمعة فتغص بهم المساجد ويفيدون من هذه الاجتماعات ويستمعون إلى خطب الخطباء التى هى فى الأصل لهداية الضال وإرشاد القلق الحيران إلى كل ما يصلح أحواله فى دينه ودنياه والتى ينبغى أن تتناول شؤون الحياة وتعالج مشكلات الناس بروح دينية فيها سماحة وفيها قوة حتى إذا خرج المصلى من المسجد بعد سماعه الخطبة والصلاة مع إخوانه كان متزودا بزاد من الحكم والمواعظ ينفعه فى بيته ومتجره ومصنعه وفى كل شأن من شئون حياته، وبذلك نضمن حرص المسلمين على أداء فريضة الجمعة ولا نقصر فى حقوقهم، أما إذا علموا أن فريضة الجمعة لا تسقط فريضة الظهر فإنه يخشى أن يتكاسل الكثيرون منهم عن تلبية نداء الله فى قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون.
فإذا قضيتم الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} الجمعة 9، 10، فلا يغشى المساجد فى أيام الجمع إلا العدد القليل من المسلمين وتضيع على الكثيرين فوائد الجمعة، ولعل العلامة ابن عابدين فى حاشيته رد المحتار قد أحس بأن العوام ربما هجروا الجمعة إطلاقا إذا أمروا بصلاة الأربع بعدها بناء على القول بعدم جواز تعدد الجمعة فقال نعم لو أدى أى صلاة الأربع بعدها إلى مفسدة لاتفعل جهارا والكلام عند عدمها.
ولذا قال المقدسى نحن لا نأمر بذلك أمثال هذه العوام بل ندل عليه الخواص ولو بالنسبة إليهم - انتهى -.
والله أعلم