الفتنة وما يجب نحوها

F عطية صقر.

مايو 1997

Mالقرآن والسنة

Q سمعنا حديثا عن قيام الساعة وأن الفتنة تأتى من قبل المشرق، فهل هذا صحيح؟

صلى الله عليه وسلمn روى البخارى أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: ذكر النبى صلى الله عليه وسلم: "اللهم بارك لنا فى شامنا، اللهم بارك لنا فى يمننا" قالوا:

يا رسول الله: وفى نجدنا قال "اللهم بارك لنا فى شامنا، اللهم بارك لنا فى يمننا " قالوا: يا رسول الله: وفى نجدنا فأظنه قال فى الثالثة: "هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان " وفى رواية عن ابن عمر أيضا انه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل المشرق يقول: "ألا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان " وفى بعض الروايات بدل قرن الشيطان "قرن الشمس ".

يقول ابن حجر "فتح البارى ج 13 ص 61" ناقلا عن غيره: كان أهل المشرق يومئذ أهل كفر فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الفتنة تكون من تلك الناحية، فكان كما أخبر وأول الفتن كان من قبل المشرق فكان ذلك سببا للفرقة بين المسلمين، وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به، وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة، قال الخطابى: نَجْدٌ من جهة المشرق ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها، وهى مشرق أهل المدينة، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض، وعرف بهذا. ما قاله الداودى أن نجدا من ناحية العراق.

هذا ما نقلته عن الفتنة وأنها من جهة المشرق الذى قيل إنه العراق، ولا ادرى بالضبط ما يراد بالفتنة، هل هى الكفر والردة أو هى الحرب والقتال، وهل حدثت الفتنة أو لم تحدث إلى الآن؟ .

جاء فى حديث رواه البخارى أيضا عن سؤال حذيفة بن اليمان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشر مخافة أن يدركه: أن بعد الخير الذى جاء به الإسلام يجىء شر، وأن بعد الشر يجىء خير فيه دَخَنٌ قال عنه النبى صلى الله عليه وسلم "قوم يهدون بغير هديى، تعرف منهم وتنكر" وأن بعد الخير يجىء شر قال عنه "دعاة على أبواب جهنم. من أجابهم إليها قذفوه فيها" وقال فى صفتهم "هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا" ونصح الرسول صلى الله عليه وسلم حذيفة إذا أدرك ذلك بأن يلزم جماعة المسلمين، وإذا لم يكن لهم جماعة ولا إمام أن يعتزل الفرق كلها ولو أن يعض بأصل شجرة حتى يدركه الموت وهو على ذلك.

ويعرف من هذا أن دعاة الفتنة هم من العرب، وقال عياض: المراد بالشر الأول الفتن التى وقعت بعد عثمان، والمراد بالخير الذى بعده ما وقع فى خلافة عمر بن عبد العزيز، والمراد بالذين تعرف منهم وتنكر الأمراء بعده، فكان فيهم من يتمسك بالسنة والعدل، وفيهم من يدعو إلى البدعة ويعمل بالجور. قال ابن حجر: الظاهر أن المراد بالشر الأول ما أشار إليه من الفتن الأولى، وبالخير ما وقع من الاجتماع مع علىٍّ ومعاوية، وبالدخن ما كان فى زمنهما من بعض الأمراء كزياد بالعراق وخلاف من خالف عليه من الخوارج وبالدعاة على أبواب جهنم من قام فى طلب الملك من الخوارج وغيرهم، وإلى ذلك الإشارة بقوله "الزم جماعة المسلمين وإمامهم " يعنى ولو جار، ويوضح ذلك رواية أبى الأسود "ولو ضُرب ظهرك وأخذ مالك " وكان مثل ذلك كثيرا فى إدارة الحجاج ونحوه.

ثم روى البخارى قوله صلى الله عليه وسلم "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم - أو غنما -يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن " وقال ابن حجر: اختلف السلف فى أصل العزلة، فقال الجمهور:

الاختلاط أولى، لما فيه من اكتساب الفوائد الدينية للقيام بشعائر الإسلام وتكثير سواد المسلمين وإيصال أنواع الخير إليهم من إعانة وإغاثة وعيادة وغير ذلك. وقال قوم: العزلة أولى، لتحقق السلامة، بشرط معرفة ما يتعين. وقال النووى: المختار تفضيل المخالطة لمن لا يغلب على ظنه أنه يقع فى معصية، فإن أشكل الأمر فالعزلة أولى، وقال غيره: يختلف باختلاف الأشخاص، فمنهم من يتحتم عليه أحد الأمرين ومنهم من يترجح وليس الكلام فيه، بل إذا تساويا فيختلف باختلاف الأحوال، فإن تعارضا اختلف باختلاف الأوقات، فمن يتحتم عليه المخالطة من كانت له قدرة على إزالة المنكر، فيجب عليه إما عينا وإما كفاية بحسب الحال والإمكان. وممن يترجح من يغلب على ظنه أنه يسلم فى نفسه إذا قام فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وممن يستوى من يأمن على نفسه ولكنه يتحقق أنه لا يطاع. وهذا حيث لا يكون هناك فتنة عامة، فإن وقعت الفتنة ترجحت العزلة، لما ينشأ فيها غالبا من الوقوع فى المحذور. وقد تقع العقوبة بأصحاب الفتنة فتعم من ليس من أهلها، كما قال الله تعالى {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} الأنفال: 25.

انتهى ما نقلته عن ابن حجر، والمهم أن الفتن موجودة فى كل عصر ومصر، وأن الإنسان ما دام حيًّا سيتعرض لها، والواجب هو محاولة البعد عنها وتجنب أسبابها، والقيام بواجب الإصلاح عند الإمكان الذى لا ضرر فيه مع رجاء الخير من محاولة الإصلاح، وعلى رأس هذه الفتن فتنة المسيح الدجال، وقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله من فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال.

وأخيرا، هل للأحوال التى يعيش فيها المسلمون عربهم وغير عربهم صلة بهذه الأحاديث الواردة فى الفتنة، وهل يمكن تحديد الشرق الذى ذرَّ منه قرنها، وهل هى فتنة فكرية مذهبية أو فتنة سياسية دنيوية، وهل التدخل للإصلاح وجمع الشمل أولى، أو الاعتزال والتقوقع واللامبالاة أسلم؟ إنها أسئلة تحتاج إلى أجوبة، ولكل أن يدلى بدلوه فى هذا المجال، ولوسائل الإعلام ولمن يصطادون فى الماء العكر من المسلمين وغير المسلمين فى الشرق والغرب دور وأدوار فى ذلك، وأبرى ذمتى بالنصح بأن الدنيا فانية والآخرة خير وأبقى وبقوله تعالى {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} الأنفال: 25، وبقوله: {وإذ قالت أمة منهم لمَ تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون} الأعراف:64، اللهم قد بلغت فاشهد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015