المخدرات

F عطية صقر.

مايو 1997

Mالقرآن والسنة

Q هل المخدرات التى اكتشفت بعد الخمر تعطى حكمها؟

صلى الله عليه وسلمn من المعلوم من الدين بالضرورة أن الخمر المتخذة من عصير العنب محرمة ومن أكبر الكبائر، ويكفر مستحلها، ويحد شاربها، والنصوص فى ذلك كثيرة، منها قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} المائدة: 90، 91، وقوله صلى الله عليه وسلم " ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " رواه البخارى ومسلم.

والعلة أو الحكمة فى تحريمها صيانة العقل الذى كرم الله به الإنسان وجعله مناط التكليف، وبالتعدى على العقل أمكن التورط فى فعل المنكرات والاستجابة للشهوات كما نصت عليه الآية السابقة والحديث الذى رواه الحاكم وصححه " اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر " والذى رواه ابن حجات فى صحيحه " اجتنبوا أم الخبائث " وفيه أنها حملت على القتل والزنى.

ومن أجل خطورتها حرم الإسلام الاشتراك فيها بأى نوع من الاشتراك، وجاء فى ذلك حديث أنس ابن مالك رضى الله عنه قال "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشترى لها والمشترى له " رواه ابن ماجه والترمذى واللفظ له وقال: حديث غريب، أى رواه راو واحد فقط. قال الحافظ المنذرى: ورواته ثقات.

حتى الجلوس مع شاربى الخمر منهى عنه قال تعالى {وقد نزل عليكم فى الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره إنكم إذا مثلهم} النساء: 140، وقد قرأ هذه الآية عمر بن عبد العزيز عندما أمر أن يُحَدَّ جماعة كانوا فى مجلس خمر، فقالوا له: إن فلانا لم يشرب لأنه صائم، فقال ابدءوا به، يقول القرطبى فى تفسير هذه الآية: فكل من جلس فى مجلس معصية ولم ينكر عليهم: يكون معهم فى الوزر سواء، فان لم يقدر على النكير عليهم فينبغى أن يقوم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.

ومثل الخمر فى الحرمة كل ما اشترك معها فى مخامرة العقل أى تغطيته من أية مادة كانت، روى البخارى ومسلم عن عمر رضى الله عنه أنه قال على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن الخمر قد حرمت وهى من خمسة، من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل.

والنبى صلى الله عليه وسلم حرم كل مسكر دون قصره على مادة معينة، روى البخارى أن أبا موسى الاشعرى رضى الله عنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن البِتْع والمِزْر، فقال " كل مسكر حرام " والبتع نبيذ العسل، والمزر نبيذ الشعير. روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الأشربة التى تنتبذ من العسل والذرة والشعير فأجاب " كل مسكر خمر وكل خمر حرام ". ويدخل فى ذلك المواد الطبيعية والمصنعة.

وتغيير اسم المشروب المسكر لا يغير من الحكم كما لا تغيره المادة المسكرة، فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء، وقد ورد فى ذلك حديث رواه ابن ماجه وابن حبان فى صحيحه " يشرب ناس من أمتى الخمر يسمونها بغير اسمها، يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات - المغنيات - يخسف الله بهم الأرض ويجعل الله منهم القردة والخنازير.

ويستوى فى الحكم كل وسائل التناول للمسكر، من شرب أو أكل أو شم أو تدخين أو حقن أو غير ذلك.

والحشيش، وإن كان لم يعرف فى العالم الإسلامى إلا حوالى القرن السادس أو السابع الهجرى عند ظهور التتار، إلا أنه كان معروفا فى التاريخ القديم فى الشرق والغرب ولما عرفه المسلمون ولمسوا آثاره طبقوا عليه عموم الحديث الذى حرم كل مسكر وكذلك عموم قول أم سلمة رضى الله عنها: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر ومفتر، كما رواه أبو داود فى سننه. فهو محرم إما بالنص وإما بالقياس، وقد نقل الإجماع على حرمته غير واحد من الأئمة، منهم القرافى وابن تيمية، وقد جمع بعض الباحثين القدامى نحو مائة وعشرين مضرة دينية وبدنية فى الحشيش، ولهذا أكد ابن تيمية حرمته وقال: إن مستحله يكفر، وصرح فى كتابه " السياسة الشرعية " بأنه أخبث من الخمر من جهة أنه يفسد العقل والمزاج حتى يصير فى الرجل تخنث، وهو داخل فيما حرمه الله ورسوله من اخمر والمسكر لفظا ومعنى. وابن القيم فى كتابه " زاد المعاد " قال: إن الخمر يدخل معها كل مسكر، مائعا كان أو جامدا، عصيرا أو مطبوخا.

وإذا كانت هذه المسكرات أو المخدرات أو المفترات محرمة كالخمر، فإن عقوبتها المنصوص عليها فى الأحاديث تشملها أيضا، وهى عقوبة أخروية شديدة، والقليل من المسكر حرام كما نص عليه الحديث الذى رواه النسائى وأبو داود وقال الترمذى: إنه حسن " ما أسكر كثيره فقليله حرام ". وفى رواية للنسائى " أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره " وإسناده صحيح.

فمن شرب المسكر - وهو مسلم بالغ عاقل مختار عالم بأنه مسكر وعالم بتحريمه -وجب عليه الحد، سواء سكر أم لا، والحد الأدنى فى العقوبة أن يجلد أربعين كما روأه مسلم من فعل النبى صلى الله عليه وسلم، وروى مسلم أيضا أن عبد الله بن جعفر جلد الوليد بين يدى عثمان وعلى يعد حتى بلغ أربعين فقال: أمسك، ثم قال: " جلد النبى صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعثمان ثمانين والكل سنة، وهذا أحب إلى " فإذا رأى الإمام أن يبلغ بالحد ثمانين فعل لما رواه مسلم عن عمر جعله ثمانين، وقال على لعمر: إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وحد المفترى ثمانون، فأخذ به عمر ولم ينكره أحد 0 واتفق الصحابة على ذلك، فالعقوبة مقررة بصرف النظر عن الخلاف فى كون الحد أربعين وما زاد على ذلك فهو تعزيز.

والعقوبة لا تنفذ حال السكر حتى يحس بها، ولو نفذت حال السكر، قيل يعتد بها وقيل لا يعتد. " كفاية الأخيار ج 2 ص 116 ".

وعقوبة الحد مقررة لمن شرب الخمر، أما من تعاطى غيرها من المائعات أو الجوامد فعقوبته الحد كالخمر عند بعض العلماء ومنهم ابن تيمية، أو التعزير كما قال آخرون. مع مراعاة أن الحد لا يجوز العفو عنه، أما التعزير فيجوز، ومع مراعاة الخلاف فى أن التعزيز يصل إلى الحد أو لا يصل، وأجاز أبو حنيفة أن يصل، التعزير إلى حد القتل، تاركا تحديده لما يراه القاضى أو الحاكم حسب مقتضيات الأحوال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015